للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية منصور عند البخاريّ: "أتى رجل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما القتال في سبيل الله؟، فإن أحدنا يقاتل. . ." الحديث.

(وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ) وفي بعض النسخ: "للذكر"، بكسر الذال؛ أي: ليَذكُره الناس بالشجاعة، ويشتهر بينهم بها، والذِّكر: الشرف، والفخر، والصيت، قاله الطيبيّ (١).

وفي رواية الأعمش التالية: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعةً"، (وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى) بالبناء للمفعول، (مَكَانُهُ)؛ أي: مرتبته في الشجاعة، وفي رواية الأعمش: "ويقاتل رياء"، فمرجع الذي قبله إلى السمعة، ومرجع هذا إلى الرياء، وكلاهما مذموم، وزاد في رواية منصور والأعمش: "ويُقاتل حَمِيّةً": أي لمن يقاتِل لأجله من أهل، أو عشيرة، أو صاحب، وزاد في رواية منصور: "ويقاتل غَضَبًا"؛ أي: لأجل حظ نفسه، ويَحْتَمِل أن يفسّر القتال للحميّة بدفع المضرّة، والقتال غضبًا بجلب المنفعة، فالحاصل من رواياتهم أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء: طلب المغنم، وإظهار الشجاعة، والرياء، والْحَمِيّة، والغضب، وكل منها يتناوله المدح والذم، فلهذا لم يحصل الجواب بالإثبات، ولا بالنفي، قاله في "الفتح" (٢).

(فَمَنْ في سَبِيلِ اللهِ؟) "من" استفهاميّة؛ أي: فمن هو المقاتل في سبيل الله تعالى الذي جاءت النصوص الكثيرة بمدحه، والثناء عليه؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ) قال الطيبيّ - رحمه الله -: "كلمة الله عبارة عن دين الحقّ؛ لأن الله تعالى دعا إليه، وأمر الناس بالاعتصام به، كما قيل لعيسى - عليه السلام -: كلمة الله، وقوله: (أَعْلَى) خبر "تكون"، وإنما ذكّره، وإن كانت الكلمة مؤنّثةً؛ لأن حقّ أفعل التفضيل إذا تجرّد من "أل" والإضافة أن يلزم الإفراد والتذكير، كهندٌ أفضل من عمر، وكذلك إذا أضيف إلى نكرة، كهندٌ أفضل امرأة، وإن كان مقارنًا لـ "أل" فيلزم مطابقته، فيقال: هند الْفُضْلى، وكما في الرواية التالية": "هي العلياء"، وإذا أضيف إلى معرفة جاز الوجهان، كهند أفضل النساء،


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٤٠.
(٢) "الفتح" ٧/ ٧٦ - ٧٧، كتاب "الجهاد" رقم (٢٨١٠).