للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غير الإعلاء، فقد يحصل الإعلاء ضمنًا، وقد لا يحصل، ويدخل تحته مرتبتان، وهذا ما دلّ عليه حديث أبي موسى - رضي الله عنه -، ودونه أن يقصدهما معًا، فهو محذور أيضًا، على ما دلّ عليه حديث أبي أُمامة - رضي الله عنه -، والمطلوب أن يقصد الإعلاء صرفًا، وقد يحصل غير الإعلاء، وقد لا يحصل، ففيه مرتبتان أيضًا.

قال ابن أبي جمرة - رحمه الله -: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قَصْد إعلاء كلمة الله لم يضرّه ما انضاف إليه. انتهى (١).

ويدل على أن دخول غير الإعلاء ضمنًا لا يقدح في الإعلاء إذا كان الإعلاء هو الباعث الأصليّ ما رواه أبو داود، بإسناد حسن، عن عبد الله بن حَوَالة - رضي الله عنه -، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أقدامنا لِنَغْنَمَ، فرجعنا، ولم نَغْنَم شيئًا، فقال: "اللهم لا تكلهم إليّ. . ." الحديث.

وفي إجابة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بما ذُكِر غاية البلاغة والإيجاز، وهو من جوامع كَلِمه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لو أجابه بأن جميع ما ذَكَره ليس في سبيل الله احْتَمَل أن يكون ما عدا ذلك كله في سبيل الله، وليس كذلك، فعَدَل إلى لفظ جامع عَدَل به عن الجواب عن ماهية القتال إلى حال المقاتل، فتضمّن الجواب وزيادة.

ويَحْتَمِل أن يكون الضمير في قوله: "فهو" راجعًا إلى القتال الذي في ضمن "قاتل"؛ أي: فقتاله قتال في سبيل الله، واشْتَمَل طلب إعلاء كلمة الله على طلب رضاه، وطلب ثوابه، وطلب دحض أعدائه، وكلها متلازمة.

والحاصل مما ذُكِر: أن القتال منشؤه القوّة العقلية، والقوّة الغضبية، والقوّة الشهوانية، ولا يكون في سبيل الله إلا الأول.

وقال ابن بطال - رحمه الله - (٢): إنما عَدَل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن لفظ جواب السائل؛ لأن الغضب، والحميّة قد يكونان لله، فعَدَل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك إلى لفظ جامع، فأفاد دفع الإلباس وزيادة الإفهام. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) راجع: "بهجة النفوس" ١/ ١٤٩.
(٢) "شرح ابن بطّال على البخاريّ" ١/ ٢٠٣.