وقال الفضيل بن عياض: إنما يريد اللهُ - عز وجل - منك نيّتك وإرادتك، وعن يوسف بن أسباط قال: إيثار الله - عز وجل - أفضل من القتل في سبيل الله، خَرَّجَ ذلك كله ابنُ أبي الدنيا في "كتاب الإخلاص والنية"، وروى فيه بإسناد منقطع عن عمر قال: أفضل الأعمال أداء ما افترض الله - عز وجل -، والورع عما حرّم الله - عز وجل -، وصِدْق النية فيما عند الله.
وبهذا يُعلم ما رَوَى الإمام أحمد أن أصول الإسلام ثلاثة أحاديث:
حديث:"إنما الأعمال بالنيات"، وحديث:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"، وحديث:"الحلال بيِّن والحرام بيِّن"، فإن الدِّين كله يرجع إلى فعل المأمورات، وترك المحظورات، والتوقّي عن الشبهات، وهذا كله تضمّنه حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -، وإنما يتمّ ذلك بأمرين:
أحدهما: أن يكون العمل في ظاهره على موافقة السُّنّة، وهذا هو الذي تضمّنه حديث عائشة - رضي الله عنها -: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد".
والثاني: أن يكون العمل في باطنه يُقصد به وجه الله - عز وجل -، كما تضمّنه حديث عمر - رضي الله عنه -: "الأعمال بالنيات"، وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} الآية [الملك: ٢] قال: أخلصه وأصوبه، وقال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا وصوابًا، قال: والخالص إذا كان لله - عز وجل -، والصواب إذا كان على السنة.
وقد دل هذا الذي قال الفضيل على قوله - عز وجل -: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: ١١٠]، وقال بعض العارفين: إنما تفاضلوا بالإرادات، ولم يتفاضلوا بالصوم والصلاة.
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -:
"فصل":
وأما النية بالمعنى الذي ذكره الفقهاء، وهو تمييز العبادات عن العادات، وتمييز العبادات بعضها من بعض، فإن الإمساك عن الأكل والشرب يقع تارة حِمْيَةً، وتارة لعدم القدرة على الأكل، وتارة تركًا للشهوات لله - عز وجل -، فيحتاج في الصيام إلى نية، ليتميّز بذلك عن ترك الطعام على غير هذا الوجه، وكذلك