العبادات، كالصلاة، والصيام، منها فرض، ومنها نفل، والفرض يتنوع أنواعًا، فإن الصلوات المفروضات خمس صلوات في كل يوم وليلة، والصيام الواجب تارةً يكون صيام رمضان، وتارة يكون صيام كفارة، أو عن نذر، ولا يتميز هذا كله إلا بالنية، وكذلك الصدقة تكون نفلًا، وتكون فرضًا، والفرض منه زكاة، ومنه كفارة، ولا يتميز ذلك إلا بالنية، فيدخل ذلك في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإنما لكل امرئ ما نوى".
وفي بعض ذلك اختلاف مشهور بين العلماء، فإن منهم من لا يوجب تعيين النية للصلاة المفروضة، بل يكفي عنده أن ينوي فرض الوقت، وإن لم يستحضر تسميته في الحال، وهي رواية عن الإمام أحمد، ويُبنى على هذا القول أن من فاتته صلاة من يوم وليلة، ونسي عينها أن عليه أن يقضي ثلاث صلوات: الفجر والمغرب ورباعية واحدة.
وكذلك ذهب طائفة من العلماء إلى أن صيام رمضان لا يحتاج إلى نية معيّنة أيضًا، بل يجزئ نية الصيام مطلقًا؛ لأن وقته غير قابل لصيام آخر، وهو رواية عن الإمام أحمد، وربما حكي عن بعضهم أن صيام رمضان لا يحتاج إلى نية بالكلية لتعيّنه بنفسه، فهو كردّ الودائع، وحكي عن الأوزاعي أن الزكاة كذلك، وتأول بعضهم قوله على أنه أراد أنها تجزئ بنيّة الصدقة المُطْلَقة، كالحج، وكذلك قال أبو حنيفة: لو تصدّق بالنصاب كله من غير نية أجزأه عن زكاته، وقد رُوي أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يلبّي بالحج عن رجل، فقال له:"أحَجَجْتَ عن نفسك؟ " قال: لا. قال: هذه عن نفسك، ثم حُجّ عن الرجل"، قال: وقد تُكُلِّم في صحة هذا الحديث، ولكنه صحيح عن ابن عباس وغيره، وأخذ بذلك الشافعيّ، وأحمد في المشهور عنه، وغيرهما في أن حَجة الإسلام تسقط بنية الحج مطلقًا، سواء نوى التطوع أو غيره، ولا يشترط للحج تعيين النية، فمن حج عن غيره، ولم يحجّ عن نفسه وقع عن نفسه، وكذلك لو حج عن نذر، أو نفلًا، ولم يكن حج حجة الإسلام، فإنها تنقلب عنها، وقد ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر الصحابة - رضي الله عنهم - في حجة الوداع بعدما دخلوا معه، وطافوا وسعوا، أن يفسخوا حجهم، ويجعلوه عمرة، وكان منهم القارن، والمفرد، وإنما كان طوافهم عند قدومهم طوافَ القدوم، وليس بفرض، وقد أمرهم أن