للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يجعلوه طواف عمرة، وهو فرض، وقد أخذ بذلك الإمام أحمد في فسخ الحجّ، وعَمِل به، وهو مُشكِل على أصله، فإنه يوجب تعيين الطواف الواجب للحج والعمرة بالنية، وخالفه في ذلك أكثر الفقهاء، كمالك، والشافعيّ، وأبي حنيفة، وقد يفرّق الإمام أحمد بين أن يكون طوافه في إحرام انقلب، كالإحرام الذي يفسخه ويجعله عمرة، فينقلب الطواف فيه تَبَعًا لانقلاب الإحرام، كما ينقلب الطواف في الإحرام الذي نوى به التطوع إذا كان عليه حجة الإسلام تبعًا لانقلاب الإحرام من أصله، ووقوعه عن فرضه، بخلاف ما إذا طاف للزيارة لنيّة الوداع، أو التطوع، فإن هذا لا يُجزيه إلا أن ينوي به الفرض، ولم ينقلب فرضًا تبعًا لانقلاب إحرامه، والله أعلم.

ومما يدخل في هذا الباب أن رجلًا في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان قد وضع صدقته عند رجل فجاء ولد صاحب الصدقة فأخذها ممن هي عنده، فعَلِم بذلك أبوه، فخاصمه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما إياك أردت، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للمتصدق: "لك ما نويت"، وقال للآخذ: "لك ما أخذت". خرَّجه البخاريّ، وقد أخذ الإمام أحمد بهذا الحديث، وعمل به في المنصوص عنه، وإن كان أكثر أصحابه على خلافه، فإن الرجل إنما مُنع من دفع الصدقة إلى ولده خشية أن تكون محاباة، فإذا وصلت إلى ولده من حيث لا يشعر كانت المحاباة منتفية، وهو من أهل استحقاق الصدقة في نفس الأمر، ولهذا لو دفع صدقته إلى من يظنه فقيرًا، وكان غنيًا في نفس الأمر أجزأته على الصحيح؛ لأنه إنما دَفع إلى من يعتقد استحقاقه، والفقر أمر خفي لا يكاد يُطَّلعُ على حقيقته.

وأما الطهارة: فالخلاف في اشتراط النية لها مشهور، وهو يرجع إلى أن الطهارة للصلاة هل هي عبادة مستقلة، أم هي شرط من شروط الصلاة، كإزالة النجاسة وستر العورة؟ فمن لم يشترط لها النية جعلها كسائر الشروط، ومن اشترط لها النية جعلها عبادة مستقلة، فإذا كانت عبادة في نفسها لم تصح بدون النية، وهذا قول جمهور العلماء، ويدل على صحة ذلك تكاثر النصوص الصحيحة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أن الوضوء يكفّر الذنوب والخطايا، وأن من توضأ كما أُمر كان كفارة لذنوبه، وهذا يدل على أن الوضوء المأمور به في القرآن عبادة مستقلة بنفسها، حيث رتّب عليه تكفير الذنوب، والوضوء الخالي من النية