للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يكفِّر شيئًا من الذنوب بالاتفاق، فلا يكون مأمورًا به، ولا تصح به الصلاة، ولهذا لم يَرِد في شيء من بقية شرائط الصلاة، كإزالة النجاسة، وستر العورة، ما وَرَدْ في الوضوء من الثواب، ولو شَرَك بين نية الوضوء، وبين قصد التبرّد، أو إزالة النجاسة، أو الوسخ، أجزأه في المنصوص عن الشافعيّ، وهذا قول أكثر أصحاب أحمد؛ لأن هذا القصد ليس بمحرم ولا مكروه، ولهذا لو قَصَد مع رَفْع الحدث تعليم الوضوء لم يضره ذلك، وقد كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقصد أحيانًا بالصلاة تعليمها للناس، وكذلك الحجّ كما قال: "خذوا عني مناسككم".

قال ابن رجب: ومما تدخل فيه النية من أبواب العلم: مسائل الأيمان، فَلَغْو اليمين لا كفارة فيه، وهو ما جرى على اللسان من غير قصد بالقلب البتة، كقوله: لا والله، وبلى والله، في أثناء الكلام قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} الآية [المائدة: ٨٩]، وكذلك يُرجَع في الأيمان إلى نية الحالف، وما قَصَد بيمينه، فإن حلف بطلاق، أو عَتَاق، ثم ادَّعَى أنه نوى ما يخالف ظاهر لفظه، فإنه يُدَيَّن فيما بينه وبين الله - عز وجل -، وهل يُقْبَل منه في ظاهر الحكم؟ فيه قولان للعلماء مشهوران، وهما روايتان عن أحمد، وقد رُوي عن عمر أنه رُفِع إليه رجل قالت له امرأته: شَبِّهْني، قال: كأنك ظَبْيَة، كأنك حَمَامة، فقالت: لا أرضى حتى تقول: أنت خَليَّة طالق، فقال ذلك، فقال عمر: خذ بيدها، فهي امرأتك، خَرَّجه أبو عبيد، وقال: أراد الناقة تكون معقولة، ثم تُطلق من عقالها، ويُحَلّ عنها، فهي خَليَّة من العِقال، وهي طالق لأنها قد انطلقت منه، فأراد الرجل ذلك، فأسقط عنه عمر الطلاق لنيّته، قال: وهذا أصل لكل من تكلم بشيء يُشبه لفظ الطلاق، والعَتَاق، وهو ينوي غيره، أن القول فيه قوله فيما بينه وبين الله - عز وجل -، وفي الحكم على تأويل عمر - رضي الله عنه -.

وبروى عن السُّمَيط السَّدُوسيّ، قال: خطبتُ امرأةً، فقالوا: لا نُزَوِّجك حتى تطلق امرأتك، فقلت: إني طلقتها ثلاثًا، فزوَّجوني، ثم نظروا فإذا امرأتي عندي، فقالوا: أليس قد طلقتها ثلاثًا؟ فقلت: كان عندي فلانة، فطلقتها، وفلانة فطلقتها، فأما هذه فلم أطلقها، فأتيت شقيق بن ثور، وهو يريد الخروج إلى عثمان وافدًا، فقلت له: سَلْ أمير المؤمنين عن هذه، فخرج فسأله، فذكر ذلك لعثمان، فجعلها له، فقال: بنيّته، خرَّجه أبو عبيد في كتاب الطلاق،