للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحَكَى إجماع العلماء على مثل ذلك، وقال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: حديث السميط تعرفه؟ قال: نعم السدوسيّ، وإنما جعل نيته بذلك، وقال: فإن كان الحالف ظالِمًا ونوى خلاف ما حلَّفه عليه غريمه لم تنفعه نيته.

وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "يمينك على ما يُصدِّقك عليه صاحبك"، وفي رواية له: "اليمين على نية المستحلِف"، وهو محمول على الظالم، فأما المظلوم فينفعه ذلك.

وقد خرّج الإمام أحمد، وابن ماجه من حديث سُوَيد بن حَنْظَلَة قال: خرجنا نريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعنا وائل بن حُجْر، فأخذه عدوّ له، فتحرّج الناس أن يحلفوا، فحلفت أنا أنه أخي، فخَلّى سبيله، وأتينا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا، فحلفت أنا أنه أخي، فقال: "صدقت، المسلم أخو المسلم".

وكذلك قد تدخل النية في الطلاق والعتاق، فإذا أتى بلفظ من ألفاظ الكنايات المحتملة للطلاق، أو العتاق، فلا بد له من النية، وهل يقوم مقام النية دلالة الحال من غضب، أو سؤال الطلاق، ونحوه أم لا؟ فيه خلاف مشهور بين العلماء، وهل يقع بذلك الطلاق في الباطن، كما لو نواه، أم يلزم به في ظاهر الحكم فقط؟ فيه خلاف مشهور، ولو أوقع الطلاق بكناية ظاهرة، كالبتة، ونحوها، فهل يقع به الثلاثة، أو واحدة؟ فيه قولان مشهوران، فظاهر مذهب أحمد أنه يقع به الثلاث مع إطلاق النية، فان نوى به ما دون الثلاث وقع به ما نواه، وحكي عنه رواية أخرى: أنه يلزمه الثلاث أيضًا، ولو رأى امرأة يظنها امرأته، فطلقها، ثم بانت أجنبية طُلِّقت امرأته؛ لأنه إنما قصد طلاق امرأته، نَصَّ على ذلك أحمد، وحُكي عنه رواية أخرى: أنها لا تَطْلُق، وهو قول الشافعيّ، ولو كان بالعكس بأن رأى امرأة فظنها أجنبية، فطلقها فبانت امرأته، فهل تطلق؟ فيه قولان، وهما روايتان عن أحمد، والمشهور من مذهب الشافعيّ وغيره أنها لا تطلق، ولو كان له امرأتان، فنهى إحداهما عن الخروج، ثم رأى امرأة قد خرجتِ فظنّها المَنهية، فقال لها: فلانةُ خرجتِ أنت طالق، فقد اختلف العلماء فيها، فقال الحسن: تطلق المنهية؛ لأنها التي نواها، وقال إبراهيم: يطلقان، وقال عطاء: لا تطلق واحدة منهما،