للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أحمد: إنها تطلق المنهية رواية واحدةً؛ لأنه نوى طلاقها، وهل تطلق المواجِهة؟ على روايتين عنه، فاختلف الأصحاب على القول بأنها تطلق، هل تطلق في الحكم فقط أم في الباطن أيضًا؟ على طريقتين لهم.

وقد استُدِلّ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، على أن العقود التي يُقصد بها في الباطن التوصل إلى الحرام غير صحيحة، كعقود البيوع التي يُقصد بها معنى الربا ونحوها، كما هو مذهب مالك وأحمد، وغيرهما، فإن هذا العقد إنما نوى به الربا لا البيع، "وإنما لكل امرئ ما نوى".

ومسائل النية المتعلقة بالفقه كثيرة جدًّا، وفيما ذكرنا كفاية، وقد تقدم عن الشافعيّ أنه قال في هذا الحديث: إنه يدخل في سبعين بابًا من الفقه، والله أعلم. انتهى ما كتبه الحافظ ابن رجب - رحمه الله - في "جامع العلوم والحكم" (١)، وهو بحثٌ نفيس مفيدٌ جدًّا. والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة عشرة): قال الإمام ابن دقيق العيد - رحمه الله -: قوله: "إنما الأعمال بالنيات": لا بُدّ فيه من حذف المضاف، واختلف الفقهاء في تقديره: فالذين اشترطوا النية قدّروه: صحة الأعمال بالنيات، أو ما يقاربه، والذين لم يشترطوها قدّروه كمال الأعمال بالنيات، أو ما يقاربها، وقد رُجِّحَ الأولُ بأن الصحة أكثر لزومًا للحقيقة من الكمال، فالحَمْل عليه أولى؛ لأن ما كان أَلزم للشيء كان أقرب إلى خطوره بالبال عند إطلاق اللفظ، فكان الحَمْل عليه أولى، وكذلك قد يقدّرونه: إنما اعتبار الأعمال بالنيات، وقد قرَّب ذلك بعضهم بنظائر من الْمُثُل، كقولهم: إنما المُلْكُ بالرجال؛ أي: قوامه ووجوده، وإنما الرجال بالمال، وإنما المال بالرعية، وإنما الرعية بالعدل، كل ذلك يراد به أن قوام هذه الأشياء بهذه الأمور. انتهى كلام ابن دقيق العيد - رحمه الله - (٢).

وكتب العلامة الصنعانيّ - رحمه الله - عند قوله: لا بُدّ من حذف مضاف، ما نصه: أقول: لِمَا أنه معلوم وجود صورة العمل من دون نية، فلا بد من التقدير؛ لِتوقّف الصدق على المقدَّر، ولذا قيل: إنه من المُجْمَل؛ لتردده بين


(١) "جامع العلوم والحكم" ١/ ٢٣.
(٢) "إحكام الأحكام" ١/ ٧٢ - ٧٥ بنسخة الحاشية.