للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المحتمِلات، والجمهور على خلافه؛ لِسَبْق المقصود إلى الفهم عُرفًا، فتقدَّر الصحة؛ أي: لا صحة للأعمال إلا بالنيات، ورُجِّح بأنه الأقرب إلى نفي الذات عن الأعمال؛ لأن ما لا يصح كالعدم.

قال الصنعاني: إنما لاحظوا الأقرب إلى نفي الذات؛ لأن الكلام ظاهر في نفيها، والحَرْف موضوع لذلك، إذ قولك: لا رجل في الدار يُراد به نفي الذات؛ أي: نفي صفة استقرار الذات في الدار، وكأنهم يتسامحون في العبارة، قال الحلبي: ولأن اللفظ دلّ على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتَّبَع، فلما مَنَعَ الدليل دلالته على نفي الذات ثبت أن دلالته على نفي الصفات مستمرة، فحيث ولا بدّ من مقدَّر يتوجه النفي إليه، فما هو في حكم العدم (١)، والشارح - يعني: ابن دقيق العيد - ذكر مرجِّحًا آخر وهو أن الصحة أكثر لزومًا للحقيقة من الكمال، يريد أن الأفعال الصحيحة أكثر وجودًا من الأفعال الكاملة، فيتوجه النفي إلى ملازم الحقيقة، فكان نفي الملازَم - بالفتح - وهو ملاقٍ للأول؛ إذ نفي الملازَم كنفي الملازِم.

وقوله: لأن ما كان ألزم للشيء كان أقرب إلى خطوره بالبال، وهو مُلَاقٍ لقول أهل الأصول؛ لِسَبْق المقصود إلى الفهم.

قال الصنعانيّ: وهنا مرجِّح أوضح، وهو أن خطابات الشارع محمولة على تعريفه، وتعليمه للمكلفين التكاليف الصحيحة؛ إذ هي المطلوبة منهم، ولذا حُملت الخطابات المطلقة في مثل {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] على النكاح الصحيح؛ لأنه مطلوب الشارع، لا الفساد فلا يكون محلِّلًا، فكذلك يكون مطلوب الشارع تعريف العباد صحيح التكاليف التي يسقط الطلب بها، وتستحق به الإثابة، وأما الكمال فهو مطلوب ندبًا، لا وجوبًا وإلا لزم أن لا يجزئ إلا الكامل من الأفعال، لا الصحيح، على أني أقول (٢): ههنا مانع من تقدير الكمال، وهو أنه سيق الحديث لبيان الأعمال التي يثاب عليها


(١) هكذا النسخة، والظاهر أن فيه سقطًا، والأصل: فما هو في حكم العدم أَولى، والله تعالى أعلم.
(٢) القائل هو الصنعاني - رحمه الله -.