للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العباد، فلو قدّر الكمال لزم أن لا يثاب العباد، فلو قدّر الكمال على الأفعال الصحيحة حتى تتصف بالكمال وهو باطل (١)، ثم الكمال يتفاوت بتفاوت رُتَب العاملين، فصلاة نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - أكمل الصلوات، ثم تختلف رتبته على اختلاف طبقات الأتقياء، فأيُّ كمالٍ المقدَّرُ؟ فالقول بتقديره كالإحالة على مجهول، مع أن الكمال ليس بملازم لجميع الأفعال، والحديث عام لجميعها، بخلاف الصحة، فهي شيء واحد ملازم لكل ما يُسقط التكليف، وهي ترتب الآثار، فعرفت أن تقدير الكمال غير صحيح هنا، ولا مُلجئ إليه، إلا الدليل الناهض (٢) كما نهض على تقديره في حديث: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، إن ثبت، وذلك أنه ثبت: "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه خمسًا وعشرين درجة" الحديث عند أحمد، والشيخين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

وقول الشارح المحقق - يعني: ابن دقيق العيد -: إن من لم يشترط النية يُقَدِّر الكمال، فيه بحث؛ لأنا لا نعلم قائلًا يقول: إنها لا تشترط النية في شيء من الأعمال حتى يقدّر في جميعها الكمال، إنما وقع الخلاف في مسائل، وفروع من العبادات، وإلا فالكل يتفقون على شرطيتها في مواضع من المسائل مع أن من لم يشترطها في بعض المواضع لا يقدّر الكمال فيها، وحينئذ لا يتم له تقدير الكمال هنا؛ لأن هذا الحديث عام لكل عمل كما عرفت، ومن الأعمال ما هي شرط في صحته عنده فلا يتم هذا الإطلاق، إلا أن يثبت أن قائلًا يقول: لا تشترط النية في عمل من الأعمال، ولا أظنه يوجد من يقول هذا، إلا أن يكون مراده: أن مِنْ لازِم كل عمل النية، وأن شرطيتها لغو؛ لأنها أمر لا بد منه، كما قال بعض المتأخرين: إنه لو كلِّف بعمل بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق، على أن هذا لا يتم به حَمْل الحديث على الكمال، بل


(١) هكذا نسخة: "العدّة"، وفيها ركاكة، ولعل الصواب إسقاط "فلو قُدّر الكمال" الثاني، فيكون التركيب هكذا: "فلو قُدّر الكمال لزم أن لا يُثاب العباد على الأفعال الصحيحة. . . إلخ".
(٢) هكذا النسخة، ولعل الصواب: "ولا يوجد دليل ناهض. . . إلخ".