للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقول: الحديث أتى لطلب أن يكون باعث النية ابتغاء رضا الله تعالى، ولا تقدّر صحة، ولا كمال، فالكلام صادق عنده؛ لأنه لا يوجد عمل إلا بنية. انتهى كلام الصنعانيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب.

(المسألة الرابعة عشرة): قال الحافظ - رحمه الله -: الأعمال تقتضي عاملين، والتقدير: الأعمال الصادرة من المكلفين، وعلى هذا هل تَخْرُج أعمال الكفار؟ الظاهر: الإخراج؛ لأن المراد بالأعمال: أعمال العبادة، وهي لا تصح من الكافر، وإن كان مخاطَبًا معاقَبًا على تركها، ولا يَرِد العتق، والصدقة؛ لأنهما بدليل آخر. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الخامسة عشرة): قال الحافظ أيضًا: الظاهر أن الألف واللام في النيات معاقِبَة للضمير، والتقدير: الأعمال بنياتها، وعلى هذا فيدل على اعتبار نية العمل من كونه مثلًا صَلاةً، أو غيرها، ومن كونها فرضًا أو نفلًا، ظُهرًا مثلًا، أو عصرًا، مقصورةً، أو غير مقصورة، وهل يُحتاج في مثل هذا إلى تعيين العدد؟ فيه بحث، والراجح الاكتفاء بتعيين العبادة التي لا تنفك عن العدد المعيَّن، كالمسافر مثلًا ليس له أن يَقْصُر إلا بنيّة القصر، لكن لا يحتاج إلى نية ركعتين؛ لأن ذلك هو مقتضى القصر، والله أعلم. انتهى، والله تعالى أعلم.

(المسألة السادسة عشرة): قال العراقيّ - رحمه الله -: وذكر بعض المتأخرين من الحنفية، وهو قاضي القضاة شمس الدين السروجيّ أن التقدير - يعني: تقدير إنما الأعمال بالنيات - ثوابها، لا صحتها؛ لأنه الذي يَطّرِد، فإن كثيرًا من الأعمال يوجد، ويُعتبر شرعًا بدونها، ولأن إضمار الثواب متفق على إرادته، ولأنه يلزم من انتفاء الصحة انتفاء الثواب دون العكس، فكان ما ذهبنا إليه أقلّ إضمارًا، فهو أَولى، ولأن إضمار الجواز والصحة يؤدي إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد، وهو ممتنِع، ولأن العامل في قوله: "بالنية" مقدَّر بإجماع النحاة، ولا يجوز أن يتعلق بالأعمال؛ لأنها رَفْعٌ بالابتداء، فيبقى بلا خبر فلا يجوز، فالمقدَّر إما مُجْزِئة أو صحيحة، أو مُثيبة، فمثيبة أَولى بالتقدير لوجهين:


(١) "العدة حاشية العمدة" ١/ ٧٢ - ٧٤.
(٢) "الفتح" ١/ ١٩.