للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شيء يتعلق به الجارّ والمجرور، فإنه لا بدّ من تقديره كما تقدم، إنما الأعمال وجودها بالنية، ونفي الحقيقة أَولى، والمراد نفي العمل الشرعي، وإن وُجد صورة الفعل في الظاهر فليس بشرعيّ عند عدم النية. انتهى (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

(المسألة السابعة عشرة): قال العراقيّ - رحمه الله -: يَحْتَمِل أن يكون معنى: "إنما الأعمال بالنيات" من لم ينو الشيء لم يحصل له، ويَحْتَمِل أن يكون المراد: من نوى شيئًا لم يحصل له غيره.

قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: وبينهما فَرْق، وإلى هذا يشير قوله: "فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه". انتهى.

وهذا يؤدي إلى أن التشريك في النية مُفسد لها، وقد ورد لكل من الاحتمالين ما يؤكده، فمما يؤكد هذا الاحتمال: ما رواه النسائي من حديث أبي أمامة قال: جاء رجل إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا شيء له. . ." الحديث، وفيه: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابْتُغِي به وجهه".

ويدلّ للاحتمال الأول: ما رواه النسائيّ أيضًا من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من غزا في سبيل الله، ولم ينو إلا عِقالًا، فله ما نوى"، فإتيانه بصيغة الحصر يقتضي أنه إذا نوى مع العقال شيئًا آخر كان له ما نواه، والله أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الثاني هو الأقرب عندي، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثامنة عشرة): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإنما لكل امرئ ما نوى": قال العلامة الصنعانيّ - رحمه الله -: اختَلَف الناظرون، هل هذه الجملة مؤكدة لِمَا قبلها أم لا؟ والذي يظهر أنها مستأنَفة؛ لأنه بَيَّنَ في الأُولى أن صحة الأعمال بالنيات، وهو حكم للأعمال صريح، ثم بَيَّنَ في هذه الجملة ما يخص العاملين، وقول الشارح - يعني: ابن دقيق العيد - يقتضي أن من نوى شيئًا حَصَل له؛ أي:


(١) "طرح التثريب" ٢/ ٨.