سواء عَمِلَه، أو مَنَعَه عنه مانع يُعذر شرعًا معه بعدم عمله، وهذا صحيح موافق للأحاديث الكثيرة الواردة بثبوت الأجر لمن نوى خيرًا ولم يعمله، كحديث:"رجل آتاه الله مالًا وعلمًا فهو يعمل بعلمه في ماله، وينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالًا، فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل العمل الذي يعمل، فهما في الأجر سواء"، إلا أنه قد خرج بدليل آخر من هذه القاعدة عدّة مسائل: فمنها: ذِكر الله كالتسبيح، فإنه لا يحتاج إلى نية؛ لأنه يتميّز بنفسه، وإنما يحتاج إلى القيد، ومنها: الألفاظ الصريحة من المعاملات في الطلاق، والنكاح، ونحوها، ومنها: إذا وقع في الماء الكثير ثوب متنجس، فإنه يَطْهُر، ومنها: من حج أو اعتمر عن غيره، ولم يكن قد أدَّى ذلك عن نفسه، فإنه ينقلب له مع أنه نواه عن غيره، ومنها: إذا أحرم بالحج في غير أشهره، فإنه ينقلب عمرة، وغير ذلك مما يعرفه من تتبّع فروع الكليات. انتهى (١).
وقال في "الفتح": قال القرطبيّ: فيه - أي: في قوله: "إنما لكل امرئ. . ." إلخ -: تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال، فجنح إلى أنها مؤكدة، وقال غيره: بل تفيد غير ما أفادته الأُولى؛ لأن الأُولى نبّهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها، فيترتب الحكم على ذلك، والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه.
وقال ابن دقيق العيد: الجملة الثانية تقتضي أن مَنْ نوى شيئًا يحصل له - يعني: إذا عمله بشرائطه، أو حال دون عمله له ما يُعذر به شرعًا بعدم عمله - وكل ما لم ينوه لم يحصل له، ومراده بقوله: لم ينوه؛ أي: لا خصوصًا ولا عمومًا، أما إذا لم ينو شيئًا مخصوصًا لكانت هناك نية عامة تشمله، فهذا مما اختلفت فيه أنظار العلماء، ويتخرج عليه من المسائل ما لا يُحصى، وقد يحصل غير المنويّ لِمُدْرَك آخر، كمن دخل المسجد، فصلى الفرض، أو الراتبة قبل أن يقعد، فإنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها؛ لأن القصد بالتحية شَغْل البُقْعة، وقد حصل، وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة، فإنه لا يحصل له غُسل الجمعة على الراجح؛ لأن غُسل الجمعة يُنظر