فيه إلى التعبد، لا إلى محض التنظيف، فلا بد فيه من القصد إليه، بخلاف تحية المسجد، والله تعالى أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لا يظهر لي فرق بين هاتين المسألتين: تحية المسجد، وغسل الجمعة، حيث جعلوا الأُولى مما لا يُنظر فيه جهة التعبد، والثانية جعلوها مما يُنظر فيه جهة التعبد، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"، كما قال:"إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"، وما ثَمَّ نص يُفَرِّق بينهما، فالظاهر أنهما عبادتان يُحتاج فيهما إلى النية، فلا يحصل كل منهما إلا إذا نواه، والله أعلم.
وقال النووي: أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنويّ، كمن عليه صلاة فائتة لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط، حتى يعيّنها ظهرًا مثلًا، أو عصرًا، ولا يخفى أن محله إذا لم تنحصر الفائتة.
وقال ابن السمعاني في "أماليه": أفادت أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القُربة، كالأكل إذا نوى به القوّة على الطاعة، وقال غيره: أفادت أن النيابة لا تدخل في النية، فإن ذلك هو الأصل فلا يَرِد مثل نية الولي عن الصبي ونظائره، فإنها على خلاف الأصل.
وقال ابن عبد السلام: الجملة الأُولى لبيان ما يُعتبر من الأعمال، والثانية لبيان ما يترتب عليها، وأفاد أن النية إنما تُشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها، وأما ما يتميز بنفسه فإنه ينصرف بصورته إلى ما وُضع له، كالأذكار، والأدعية، والتلاوة؛ لأنها لا تَترَدَّدُ بين العبادة والعادة، ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع، أما ما حدث فيه عُرف كالتسبيح للتعجب فلا، ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى لكان أكثر ثوابًا، ومن ثم قال الغزالي: حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه يُحَصِّل الثواب؛ لأنه خير من حركة اللسان بالغِيبة، بل هو خير من السكوت مطلقًا؛ أي: المجرد عن التفكر، قال: وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لي وقفة هنا: وذلك أن ما ذَكَرَه، من الأذكار ونحوه، داخل في عموم الأعمال، فبأيّ دليل خرج عنها، حتى نقول: إنه لا يحتاج إلى النية؟ بل الظاهر أنه لا بد فيه من النية؛ ليثاب عليه، وأما