للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذهبت طائفة إلى أنه يصح الوضوء والغسل والتيمم بلا نية، حكاه ابن المنذر عن الأوزاعيّ، والحسن بن صالح، وزفر.

وقال أبو حنيفة، وسفيان الثوري: يصح الوضوء والغسل بلا نية، ولا يصح التيمم إلا بالنية، وهي رواية عن الأوزاعيّ، ورواية شاذة عن مالك.

واحتَجَّ هؤلاء بأن الوضوء ليس مقصودًا، وأن المقصود به النظافة، فأشبَهَ إزالة النجاسة، واعتُرض على الحنفية بأنهم أوجبوها في التيمم، وليس مقصودًا، وأجابوا بأنه طهارة ضعيفة فافتقر إلى النية تقوية له، وبأن الله ذَكَر النية في التيمم فتيمموا صعيدًا طيبًا؛ أي: اقصدوا، وهو النية، ولم يذكر ذلك في الوضوء والغسل، واحتَجّوا أيضًا بتعليم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الوضوء للأعرابي، ولم يَذْكُر له النية مع جهل الأعرابي بأحكام الوضوء، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ونُقضَ عليهم بتعليمه الصلاة للأعرابي المسيء صلاته ولم يذكر له النية، وقد قلتم بوجوبها في الصلاة، فما الفرق؟ وإنما بَيَّنَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمن علَّمه الأفعال الظاهرة التي يقف الناظر على تَرْكها لو تَرَكها، فأما القصد للعبادة فكان معلومًا عندهم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن الحقّ هو الذي ذهب إليه الجمهور من اشتراط النية في الوضوء والغسل؛ لحديث الباب، والله تعالى أعلم.

(المسألة الحادية والعشرون): أنه احتُجَّ بهذا الحديث على أبي حنيفة في ذهابه إلى أن الكافر إذا أجنب أو أحدث، فاغتسل، أو توضأ، ثم أسلم أنه لا يجب عليه إعادة الغسل والوضوء، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي، وخالفهم الجمهور في ذلك، فقالوا: تجب عليه إعادة الغسل والوضوء؛ لأن الكافر ليس من أهل العبادة، وبعضهم يعلِّله بأنه ليس من أهل النية، قاله العراقيّ - رحمه الله - (٢).

(المسألة الثانية والعشرون): فيه حجة على أبي حنيفة أيضًا حيث ذهب


(١) "طرح التثريب" ١/ ١١ - ١٢ بزيادة من المجموع.
(٢) "طرح التثريب" ٢/ ١٢.