وذهب الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، والأوزاعيّ إلى أنه ينعقد عن غيره، ويقع ذلك عن نفسه؛ لِمَا روى أبو داود، وابن ماجه، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يقول: لبيك عن شُبْرُمَة، فقال:"أحججت قط؟ " قال: لا، قال:"فاجعل هذه عن نفسك، ثم حُجّ عن شبرمة"، وهذه رواية ابن ماجه بإسناد صحيح، وفي رواية أبي داود:"حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة"، ولك أن تقول: ليس فيه تصحيح الإحرام عن نفسه، وإنما أَمَره أن ينشئ الإحرام عن نفسه، وقد يجاب بأن الظاهر أن هذا كان بعد مجاوزة الميقات، فلو لم يقع الإحرام المتقدم عن فرض نفسه لَأَمره بالرجوع إلى الميقات، أو بإخراج دم لمجاوزة الميقات بغير إحرام صحيح، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهذا كله على تقدير مجاوزته للميقات، وأما الرواية التي ذكرها الرافعي وغيره:"هذه عن نفسك، ثم حج عن شبرمة"، فقد رواها البيهقيّ، ولكنها ضعيفة، فيها الحسن بن عُمارة، وهو ضعيف.
واستُدِلَ لأبي حنيفة ومن وافقه بما رواه الطبرانيّ، ثم البيهقيّ من طريقه من حديث ابن عباس أيضًا: سمع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يلبي عن نُبَيْشَة فقال:"أيها الملبي عن نبيشة، احجج عن نفسك"، وهذا ضعيف، فيه الحسن بن عُمارة، وهو متروك، قال البيهقيّ: يقال: إن الحسن بن عمارة كان يرويه، ثم رجع عنه إلى الصواب، وقد ذهب محمد بن جرير الطبريّ إلى أن الصرورة إذا نوى الحج عن غيره لم يقع عن نفسه؛ لأنه لم ينوه عنه، وإنما له ما نواه، ويجب عليه أن ينوي ذلك عن نفسه. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي القول الأول هو الصحيح؛ لظاهر حديث الملبي عن شُبْرُمَةَ، وهو حديث صحيح، والله تعالى أعلم
(المسألة السادسة والعشرون): قال العراقيّ: إنهم كما اشترطوا النية في العبادة اشترطوا في تعاطي ما هو مباح في نفس الأمر أن لا يكون معه نية تقتضي تحريمه، كمن جامع امرأته، أو أمته ظانًّا أنها أجنبية، أو شرب شرابًا مباحًا ظانًّا أنه خمر، أو أقدم على استعمال مُلكه ظانًّا أنه لأجنبيّ، ونحو