ذلك، فإنه يَحرم عليه تعاطي ذلك اعتبارًا بنيّته، وإن كان مباحًا له في نفس الأمر، غير أن ذلك لا يوجب حدًّا ولا ضمانًا؛ لعدم التعدي في نفس الأمر، بل زاد بعضهم على هذا بأنه لو تعاطى شرب الماء، وهو يعلم أنه ماء، ولكن على صورة استعمال الحرام، كشربه في آنية الخمر في صورة مجلس الشراب صار حرامًا؛ لتشبّهه بالشَّرَبَة، وإن كانت نيّته لا يُتصور وقوعها على الحرام مع العلم بحِلِّه، ونحوه، ولو جامع أهله وهو في ذهنه مجامعة مَن تَحْرُم عليه وصوَّر في ذهنه أنه يجامع تلك الصورة المحرمة فإنه يَحْرُم عليه ذلك، وكلّ ذلك لتشبّهه بصورة الحرام. انتهى (١).
(المسألة السابعة والعشرون): قال الخطابيّ - رحمه الله -: فيه دليل على أن المُطَلِّقَ إذا طلَّق بصريح لفظ الطلاق ونوى عددًا من أعداد الطلاق، كمن قال لامرأته: أنت طالق، ونوى ثلاثًا، كان ما نواه من العدد واقعًا واحدة أو اثنتين، أو ثلاثًا، وإليه ذهب الشافعيّ، ومالك، وإسحاق، وأبو عبيد، وقال أصحاب الرأي: هي واحدة وهو أحق بها، وكذلك قال سفيان الثوريّ، والأوزاعيّ، وأحمد بن حنبل، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثامنة والعشرون): فيه حجة على أهل الرأي في قولهم في الكنايات في الطلاق، كقوله: أنت بائن، أنه إن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة؛ لكونها كلمة واحدة، وإن نوى الطلاق ولم ينو عددًا فهي واحدة بائنة أيضًا، والحديث حجة عليهم.
وذهب الشافعي والجمهور إلى أنه إن نوى اثنتين فهو كذلك، وإن لم ينو عددًا فهي واحدة رجعية، قال الخطابيّ: وهذا أشبه بمعنى الحديث، وأَولى به، والله تعالى أعلم بالصواب.
(المسألة التاسعة والعشرون): فيه ردّ على المرجئة في قولهم: إن الإيمان إقرار باللسان، دون الاعتقاد بالقلب، وقد أورده البخاريّ في آخر "كتاب الإيمان" من "صحيحه" محتجًّا عليهم بذلك، وما ذهبوا إليه مردود بالنصوص القاطعة، والإجماع على أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، والله تعالى أعلم.