للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثلاثون): فيه حجة على بعض المالكية من أنهم لا يُدَيِّنُون مَن سَبَق لسانه إلى كلمة الكفر إذا ادَّعَى ذلك، وخالفهم الجمهور، ويدل لذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قصة الرجل الذي ضلّت راحلته، ثم وجدها، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أخطأ من شدة الفرح"، والذي جرت به عادة الحكام الحُذَّاق منهم اعتبارُ حال الواقع منه ذلك، فإن تكرر منه ذلك، وعُرفَ منه وقوعه في المخالفات، وقلة المبالاة بأمر الدِّين لم يلتفتوا إلى دعواه، ومن وقع منه ذلك فَلْتَةً، وعُرف بالصيانة والتحفظ قبلوا قوله في ذلك، وهو توسط حسن. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب.

(المسألة الحادية والثلاثون): فيه حجة لمالك ومن وافقه في إسقاط الْحِيَلِ، كمن مَلَّكَ ولده أو غيره مالًا له قبل الحول، أو باعه، أو أتلفه، أو بادل به، فرارًا من الزكاة، أو باع بالعِينة المشهورة، أو تزوج المرأة ليحلها لزوجها، وإن لم يشترط ذلك في نفس العقد، أو مَلَّك الدارَ لغير الشريك لإسقاط الشفعة، أو أوقع عقد الدار التي فيها الشفعة بثَمنٍ فيه ما تجهل قيمته، كفَصٍّ ونحوه، أو زاد في ثمنها وعوَّضه عن عشرة آلاف دينار مثلًا، ونحو ذلك من الحيل المسقطة للحقوق، أو الموقعة في المناهي، وإنما يُخادِع بالنيات مَن لا يطّلع عليها، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاريّ من حديث أنس أن أبا بكر كَتَبَ له فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُجمع بين متفرق، ولا يفرّق بين مجتمِع خشيةَ الصدقة"، وقال في الحديث الصحيح: "يُبعثون على نيّاتهم"، والذي نَصّ عليه الشافعيّ، وقطع به جمهور أصحابه كراهة إزالة مُلكه للفرار من الزكاة كراهة تنزيه، وجعل بعض أصحاب الشافعيّ الكراهة للتحريم، كقول مالك، وعليه كلام الغزالي في قوله: أثم، وكذلك عندهم البيع بالعِينة والاستحلال إذا لم يشترط في العقد، والتحيّل لإسقاط الشفعة محمول على الكراهة لا على التحريم، والحديث حجة لمن قال بالتحريم، والله أعلم.


(١) "طرح التثريب" ٢/ ٢٠.