للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال البدر العينيّ في "العمدة" بعدما نقل مثل ما تقدّم عن العراقي ما نصه: جاء التنوين في دنيا في اللغة، قال العجاج [من الرجز]:

فِي جَمْعِ دُنْيًا طَالَ مَا قَدْ عَنَّتِ

وقال المثلم بن رباح بن ظالم المرّيّ [من الكامل]:

إنِّي مُقَسِّمُ مَا مَلَكْتُ فَجَاعِلٌ … أجرًا لآخرَةٍ ودُنْيًا تَنْفَعُ

فإن ابن الأعرابي أنشده بتنوين دُنْيًا، وليس ذلك بضرورة على ما لا يخفى. انتهى (١).

والحاصل أن التنوين ثابت عند أهل اللغة، إلا أنه قليل، فلا ينبغي أن يُعَدّ غلطًا، فتبصّر، وقال ابن مالك: استعمال دنيا مُنكَرًا فيه إشكال؛ لأنها أفعل تفضيل، فكان حقها أن تُستعمل باللام نحو الكبرى والحسنى، إلا أنها خُلعت عنها الوصفية رأسًا، وأجري مُجرى ما لم يك وصفًا، ونحوه قول الشاعر [من البسيط]:

وإنْ دَعَوْتِ إِلَى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ … يَوْمًا سَرَاةَ كِرَامِ النَّاس فَادْعِينَا

فإن الجُلَّى مؤنث الأجل، فخُلعت عنها الوصفية، وجُعلت اسمًا للحادثة العظيمة.

قال البدر العينيّ: قلت: من الدليل على جعلها بمنزلة الاسم الموضوع قلب الواو ياء؛ لأنه لا يجوز ذلك إلا في الفُعْلَى الاسم، وقال التميميّ: الدنيا تأنيث الأدنى لا ينصرف، مثل حبلى؛ لاجتماع أمرين فيها: أحدهما الوصفية، والثاني لزوم حرف التأنيث.

وقال الكرمانيّ: ليس ذلك لاجتماع أمرين فيها؛ إذ لا وصفية هنا؛ بل امتناع صَرْفه للزوم التأنيث للألف المقصورة، وهو قائم مقام العلتين، فهو سهو منه.

وتعقّبه العينيّ قائلًا: ليس بسهو منه؛ لأن الدنيا في الأصل صفة؛ لأن التقدير الحياة الدنيا كما في قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}


(١) "عمدة القاري" ١/ ٢٦.