(المسألة السادسة والأربعون): استثنى بعض العلماء من هذا الحديث مما لا تجب فيه النية من الواجبات: ما إذا غاب عن المرأة زوجها مدة طويلة ومات، ولم تَعلم بموته أن عدتها من يوم موته، لا من يومِ بَلَغَتْها وفاته، فالعدة واجبة عليها، وقد سقطت عنها بغير نية، كما اتفق عليه الحنفية، والمالكية، والشافعية، فيما حكاه ابن بطال، وأجابوا عن الحديث بأن العدّة جُعلت لبراءة الرحم، وقد حصلت، وإن لم تَعلم المرأة بذلك، وقد أجمعوا أن الحامل التي لم تَعلم بوفاة الزوج أو طلاقه تنقضي عدتها بالوضع لبراءة الرحم. انتهى (١).
(المسألة السابعة والأربعون): مما يستفاد من هذا الحديث:
١ - أنه لا يجوز الإقدام على العمل قبل معرفة الحكم؛ لأن العمل فيه يكون منتفيًا إذا خلا عن النية، ولا يصح نية فعل الشيء إلا بعد معرفة حُكمه.
٢ - ومنها: أن الغافل لا تكليف عليه؛ لأن القصد يستلزم العلم بالمقصود، والغافل غير قاصد.
٣ - ومنها: أن من صام تطوعًا بنيّةٍ قبل الزوال أنه لا يُحسب له إلا من وقت النية، وهو مقتضى الحديث، لكن تمسَّك مَن قال بانعطافها بدليل آخر، ونظيره حديث:"من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها"؛ أي: أدرك فضيلة الجماعة، أو الوقت، وذلك بالانعطاف الذي اقتضاه فَضْل الله تعالى.
٤ - ومنها: أن ما ليس بعمل لا تُشترط فيه النية، ومن أمثلته: جَمْع التقديم، فإن الراجح من حيث النظر أنه لا تُشترط له نية، بخلاف ما رجّحه كثير من الشافعية، قال الحافظ: وخالفهم شيخنا شيخ الإسلام - يعني: البلقيني - وقال: الجمع ليس بعمل، وإنما العمل الصلاة، ويقوّي ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - جَمَع في غزوة تبوك، ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين معه، ولو كان شرطًا لَأعْلَمَهم به.
٥ - ومنها: أنه يُستَدَلّ به على أن العمل إذا كان مضافًا إلى سبب، ويَجمعُ مُتَعَددَهُ جنسٌ أن نية الجنس تكفي، كمن أعتق عن كفارة، ولم يعيّن كونها عن ظهار أو غيره؛ لأن معنى الحديث أن الأعمال بنيّاتها، والعمل هنا: القيام بالذي يخرج عن الكفارة اللازمة، وهو غير مَحوج إلى تعيين سبب،