وقال القاضي عياض: هذا مُحْتَمِلٌ، ويَحْتَمِل أيضًا أن يكون خبرًا عن حالهم في الغزو من سعة أحوالهم، وقوام أمرهم، وكثرة عَدَدهم، وجودة عُدَدهم، فكأنهم الملوك على الأسرّة.
قال الحافظ: وفي هذا الاحتمال بُعْدٌ، والأول أظهر، لكن الإتيان بالتمثيل في معظم طرقه يدلّ على أنه رأى ما يَؤُول إليه أمرهم، لا أنهم نالوا ذلك في تلك الحالة، أو موقع التشبيه أنهم فيما هم من النعيم الذي أثيبوا به على جهادهم مِثْل ملوك الدنيا على أسرّتهم، والتشبيه بالمحسوسات أبلغ في نفس السامع. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أنه لا بُعْد فيما قاله عياض - رحمه الله -، وهو أن يكون إخبارًا عن حالهم في الغزو، فأيُّ بُعْد في هذا؟، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
(قَالَتْ) أمّ حرام - رضي الله عنها - (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ)؛ أي: من هؤلاء الذين رأيتَهم غُزاة في البحر، ووصفتَ أحوالهم، (فدَعَا) - صلى الله عليه وسلم - (لَهَا)، وفي رواية أبي طُوالة عند البخاريّ:"فقال: اللهم اجعلها منهم"، ووقع في رواية حماد بن زيد:"فقال: أنتِ منهم"، وفي روايته عند مسلم التالية:"فإنك منهم"، وفي رواية عُمير بن الأسود:"فقلت: يا رسول الله أنا منهم؟ قال: أنت منهم".
والجمع بين هذه الروايات أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا لها، فأجيب، فأخبرها جازمًا بذلك، والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ وَضَعَ) - صلى الله عليه وسلم - (رَأْسَهُ، فَنَامَ) وفي رواية الليث عند البخاريّ: "ثم قام ثانية، ففعل مثلها، فقالت مثل قولها، فأجابها مثلها"، وفي رواية حماد بن زيد عنده:"فقال ذلك مرتين، أو ثلاثةً"، وكذا في رواية أبي طُوالة عند أبي عوانة، من طريق الدّرَاوَرْديّ عنه، وله من طريق إسماعيل بن جعفر عنه:"ففعل مثل ذلك مرتين أخريين"، قال الحافظ: وكل ذلك شاذ، والمحفوظ من طريق أنس ما اتفقت عليه روايات الجمهور أن ذلك كان مرتين، مرّةً بعد مرة، وأنه قال