يعارض هذا رواية:"فقُرّبت إليها دابّتها، فصرعتها، فماتت" الدالّة على أن صَرْعها قبل ركوبها؛ لأنه يُحمل على أن المعنى: فقُرّبت إليها دابّتها لتركبها، فركبت، فصُرعت، كما هو صريح الرواية التالية بلفظ:"فلما أن جاءت قُرّبت لها بغلةٌ، فركبتها، فصَرَعتها، فاندقّ عنقها".
ويَحْتَمِلُ أن يكون معنى فركبتها": فشرعت في ركوبها، فسقطت، فماتت.
والحاصل أن البغلة الشهباء قُرِّبت إليها لتركبها، فشَرَعت لتركب، فسقطت فاندقت عنقها، فماتت، والله تعالى أعلم.
(حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَهَلَكَتْ) قال في "الفتح": ظاهر رواية الليث أن وَقْعَتها كانت بساحل الشام لَمّا خَرجت من البحر بعد رجوعهم من غَزاة قُبرس.
لكن أخرج ابن أبي عاصم في "كتاب الجهاد" قصة أم حرام، وفيه: "وعبادة نازل بساحل حمص"، قال هشام بن عمار: رأيت قبرها بساحل حمص، وجَزَم جماعة بأن قبرها بجزيرة قُبرس، فقال ابن حبان بعد أن أخرج الحديث من طريق الليث بن سعد بسنده: "قبر أم حرام بجزيرة في بحر الروم، يقال لها: قُبرس، بين بلاد المسلمين وبينها ثلاثة أيام".
وجزم ابن عبد البرّ بأنها حين خرجت من البحر إلى جزيرة قُبرس قُرِّبت إليها دابّتها، فصَرعتها.
وأخرج الطبريّ من طريق الواقديّ أن معاوية صالَحهم بعد فَتْحها على سبعة آلاف دينار في كل سنة، فلما أرادوا الخروج منها قُرِّبت لأم حرام دابة لتركبها، فسقطت، فماتت، فقَبْرُها هناك، يستسقون به، ويقولون: قبر المرأة الصالحة.
قال الجامع عفا الله عنه: الاستسقاء عند القبر من البدع المحدثة، وليس لها أصل في الشرع، وهذا مما يُتأسّف له، حتى إن أهل العلم من الشرّاح - كالحافظ وغيره - لا يتعرّضون لإنكاره، فإنا لله، وإنا إليه راجعون، هكذا موت السنّة، وظهور البدعة حين يسكت أهل العلم، ولا يتكلّمون ببيانه للناس، فلا حول، ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.