قال الحافظ: والذي يظهر لي أن قول من قال في حديث عطاء بن يسار هذا: "عن أم حرام" وَهَمٌ، وإنما هي الرُّميصاء، وليست أم سليم، وإن كانت يقال لها أيضًا: الرميصاء كما ثبت حديث جابر - رضي الله عنه - عند البخاريّ في "المناقب"؛ لأن أم سليم لم تَمُت بأرض الروم، ولعلها أختها أم عبد الله بن ملحان، فقد ذكرها ابن سعد في الصحابيات، وقال: إنها أسلمت، وبايعت، ولم أقف على شيء من خَبَرها إلا ما ذكر ابن سعد، فيَحْتَمِل أن تكون هي صاحبة القصة التي ذكرها عطاء بن يسار، وتكون تأخرت حتى أدركها عطاء، وقصتها مغايرة لقصة أم حرام من أوجه:
الأول: أن في حديث أم حرام أنه - صلى الله عليه وسلم - لمّا نام كانت تفلي رأسه، وفي حديث الأخرى: أنها كانت تغسل رأسها، كما تقدّم ذِكره من رواية أبي داود.
الثاني: ظاهر رواية أم حرام أن الفرقة الثانية تغزو في البرّ، وظاهر رواية الأخرى: أنها تغزو في البحر.
الثالث: أن في رواية أم حرام أنها من أهل الفرقة الأولى، وفي رواية الأخرى أنها من أهل الفرقة الثانية.
الرابع: أن في حديث أم حرام أن أمير الغزوة كان معاوية، وفي رواية الأخرى أن أميرها كان المنذر بن الزبير.
الخامس: أن عطاء بن يسار ذكر أنها حدثته، وهو يَصْغُر عن إدراك أم حرام، وعن أن يغزو في سنة ثمان وعشرين، بل وفي سنة ثلاث وثلاثين؛ لأن مولده على ما جَزم به عمرو بن عليّ وغيره كان في سنة تسع عشرة، وعلى هذا فقد تعددت القصة لأم حرام، ولأختها أم عبد الله، فلعل إحداهما دُفنت بساحل قُبرس، والأخرى بساحل حمص، ولم أر من حرّر ذلك - ولله الحمد على جزيل نعمه - انتهى.
[تنبيه]: قال صاحب "التكملة": الغزوة الثانية التي أخبر بها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث جمهورُ الشرّاح على أنها غزوة القسطنطينيّة الأولى، وذكر أكثر المؤرّخين أنها كانت في إمارة يزيد بن معاية، وشهدها جَمْع من الصحابة، منهم أبو أيوب الأنصاريّ، وابن عبّاس، وابن عمر، وابن الزبير - رضي الله عنهم -، بل ذكر