قوله:"فجعله الله رحمة للمؤمنين"؛ أي: من هذه الأمة، وفي حديث أبي عَسِيب عند أحمد:"فالطاعون شهادة للمؤمنين، ورحمةٌ لهم، ورجس على الكافر"، وهو صريح في أن كون الطاعون رحمة إنما هو خاصّ بالمسلمين، وإذا وقع بالكفار، فإنما هو عذاب عليهم، يُعَجَّل لهم في الدنيا قبل الآخرة، وأما العاصي من هذه الأمة، فهل يكون الطاعون له شهادة، أو يختص بالمؤمن الكامل؟ فيه نظر، والمراد بالعاصي: من يكون مرتكب الكبيرة، ويَهْجُم عليه ذلك، وهو مصرّ، فإنه يَحْتَمِل أن يقال: لا يُكْرَم بدرجة الشهادة؛ لشؤم ما كان متلبسًا به؛ لقوله تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية [الجاثية: ٢١].
وأيضًا فقد وقع في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ما يدلّ على أن الطاعون ينشأ عن ظهور الفاحشة، أخرجه ابن ماجه، والبيهقيّ، بلفظ:"لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم" الحديث، وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك، وكان من فقهاء الشام، لكنه ضعيف عند أحمد، وابن معين، وغيرهما، ووثقه أحمد بن صالح المصريّ، وأبو زرعة الدمشقيّ، وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرًا.
وله شاهد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في "الموطأ" بلفظ: "ولا فشا الزنا في قوم قطّ إلا كَثُر فيهم الموت" الحديث، وفيه انقطاع، وأخرجه الحاكم من وجه آخر موصولًا بلفظ:"إذا ظهر الزنا، والربا في قرية، فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله".
وللطبرانيّ موصولًا من وجه آخر، عن ابن عباس نحو سياق مالك، وفي سنده مقال.
وله من حديث عمرو بن العاص بلفظ:"ما من قوم يظهر فيهم الزنا، إلا أُخِذوا بالفناء" الحديث، وسنده ضعيف.
وفي حديث بُريدة عند الحاكم، بسند جيِّد بلفظ:"ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سَلَّط الله عليهم الموت".
ولأحمد من حديث عائشة، مرفوعًا:"لا تزال أمتي بخير ما لم يَفْشُ فيهم وَلَدُ الزنا، فماذا فشا فيهم وَلَدُ الزنا أوشك أن يعمّهم الله بعقاب"، وسنده حسن.