للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ففي هذه الأحاديث أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية، فكيف يكون شهادة؟.

ويَحْتَمِل أن يقال: بل تحصل له درجة الشهادة؛ لعموم الأخبار الواردة، ولا سيما حديث أنس: "الطاعون شهادة لكل مسلم"، ولا يلزم من حصول درجة الشهادة لمن اجترح السيئات مساواة المؤمن الكامل في المنزلة؛ لأن درجات الشهداء متفاوتة؛ كنظيره من العصاة، إذا قُتل مجاهدًا في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا، مقبلًا غير مُدْبِر، ومن رحمة الله بهذه الأمة المحمدية أن يعجِّل لهم العقوبة في الدنيا.

ولا ينافي ذلك أن يحصل لمن وقع به الطاعون أجر الشهادة، ولا سيما وأكثرهم لم يباشر تلك الفاحشة، وإنما عمّهم - والله أعلم - لِتقاعدهم عن إنكار المنكر.

وقد أخرج أحمد، وصححه ابن حبان من حديث عتبة بن عبيد، رفعه: "القتل ثلاثة: رجل جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لَقِي العدوَّ قاتلهم حتى يُقْتَل فذاك الشهيد المفتخِر في خيمة الله تحت عرشه، لا يَفْضُله النبيّون إلا بدرجة النبوّة، ورجل مؤمن قَرَف على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدوَّ قاتلهم، حتى يُقتل، فانمحت خطاياه، إن السيف مَحَّاء للخطايا، ورجل منافق جاهد بنفسه وماله، حتى يُقتل فهو في النار، إن السيف لا يمحو النفاق".

وأما الحديث الآخر الصحيح أن الشهيد يُغفر له كل شيء إلا الدَّين، فإنه يستفاد منه أن الشهادة لا تكفر التَّبِعات، وحصول التبعات لا يمنع حصول درجة الشهادة، وليس للشهادة معنى إلا أن الله يُثيب من حصلت له ثوابًا مخصوصًا، ويُكرمه كرامةً زائدةً، وقد بيّن الحديث أن الله يتجاوز عنه ما عدا التبعات، فلو فُرض أن للشهيد أعمالًا صالحةً، وقد كَفَّرت الشهادة أعماله السيئة غير التبعات، فإن أعماله الصالحة تنفعه في موازنة ما عليه من التبعات، وتبقى له درجة الشهادة خالصة، فإن لم يكن له أعمال صالحة، فهو في المشيئة، والله أعلم.