وقوله:"فليس من عبد"؛ أي: مسلم، "يقع الطاعون"؛ أي: في مكان هو فيه، "فيمكث في بلده" في رواية أحمد: "في بيته"، وللبخاريّ في "القدر" بلفظ: "يكون فيه، ويمكث فيه، ولا يخرج من البلد"؛ أي: التي وقع فيها الطاعون.
وقوله:"صابرًا"؛ أي: غير منزعج، ولا قَلِق، بل مُستسلمًا لأمر الله، راضيًا بقضائه، وهذا قَيْد في حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون، وهو أن يمكث بالمكان الذي يقع به، فلا يخرج فرارًا منه، كما ثبت النهي عنه صريحًا.
وقوله:"يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له" قَيْد آخر، وهي جملة حالية تتعلق بالإقامة، فلو مكث، وهو قَلِقٌ، أو متندِّم على عدم الخروج ظانًّا أنه لو خرج لَمَا وقع به أصلًا ورأسًا، وأنه بإقامته يقع به، فهذا لا يحصل له أجر الشهيد، ولو مات بالطاعون. هذا الذي يقتضيه مفهوم هذا الحديث، كما اقتضى منطوقه أن من اتُّصف بالصفات المذكورة يحصل له أجر الشهيد، وإن لم يمت بالطاعون.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قرّر الحافظ - رحمه الله -، وفي قوله:"لا يحصل له أجر الشهيد، ولو مات. . . إلخ" نظر، قد قدّمت التنبيه عليه، فلا تنس، والله تعالى أعلم.
قال: ويدخل تحته ثلاث صور: من اتصف بذلك، فوقع به الطاعون، فمات به، أو وقع به، ولم يمت به، أو لم يقع به أصلًا، ومات بغيره عاجلًا أو آجلًا.
وقوله:"مثل أجر الشهيد" قال الحافظ: لعل السرّ في التعبير بالمِثلية مع ثبوت التصريح بأن من مات بالطاعون كان شهيدًا، أن من لم يمت من هؤلاء بالطاعون كان له مثل أجر الشهيد، وإن لم تحصل له درجة الشهادة بعينها، وذلك أن من اتصف بكونه شهيدًا أعلى درجة ممن وُعد بأنه يُعطَى مثل أجر الشهيد، ويكون كمن خرج على نية الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، فمات بسبب غير القتل.