وأما ما اقتضاه مفهوم حديث الباب أن من اتصف بالصفات المذكورة، ووقع به الطاعون، ثم لم يمت منه أنه يحصل له ثواب الشهيد، فيشهد له حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي أخرجه أحمد، من طريق إبراهيم بن عُبيد بن رفاعة، أن أبا محمد أخبره، وكان من أصحاب ابن مسعود، أنه حدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن أكثر شهداء أمتي لأصحاب الفُرُش، ورُبَّ قتيل بين الصفَّين الله أعلم بنيّته"، والضمير في قوله:"أنه" لابن مسعود، فإن أحمد أخرجه في مسند ابن مسعود، ورجال سنده موثّقون.
واستُنْبِط من الحديث أن من اتّصف بالصفات المذكورة، ثم وقع به الطاعون، فمات به أن يكون له أجر شهيدين، ولا مانع من تعدد الثواب بتعدد الأسباب، كمن يموت غريبًا بالطاعون، أو نُفَساء مع الصبر والاحتساب.
والتحقيق فيما اقتضاه حديث الباب أنه يكون شهيدًا بوقوع الطاعون به، ويضاف له مثل أجر الشهيد لصبره وثباته، فإن درجة الشهادة شيء، وأجر الشهادة شيء.
وقد أشار إلى ذلك الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة، وقال: هذا هو السر في قوله: "والمطعون شهيد"، وفي قوله في هذا:"فله مثل أجر شهيد".
ويمكن أن يقال: بل درجات الشهداء متفاوتة، فأرفعها من اتصف بالصفات المذكورة، ومات بالطاعون، ودونه في المرتبة من اتصف بها، وطُعِن، ولم يمت به، ودونه من اتصف، ولم يُطْعَن، ولم يمت به.
ويستفاد من الحديث أيضًا أن من لم يتصف بالصفات المذكورة لا يكون شهيدًا، ولو وقع الطاعون، ومات به، فضلًا عن أن يموت بغيره، وذلك ينشأ عن شؤم الاعتراض الذي ينشأ عنه التضجر، والتسخط لقدر الله، وكراهة لقاء الله، وما أشبه ذلك من الأمور التي تفوت معها الخصال المشروطة، والله أعلم.
وقد جاء في بعض الأحاديث استواء شهيد الطاعون، وشهيد المعركة، فأخرج أحمد بسند حسن، عن عتبة بن عبد السّلَميّ، رفعه: "يأتي الشهداء، والمتوفون بالطاعون، فيقول أصحاب الطاعون: نحن شهداء، فيقال: انظروا،