للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من جهة الصائد، ومقصودًا له؛ لأن أَفْعَلَ فِعْلُ الفاعل، كأخرج، وأكرم، ثم هو فِعْلُ عاقل، فلا بدّ أن يكون مفعولًا لغرض صحيح، قاله القرطبيّ (١).

وقول: (فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ) فيه إيجاب التسمية عند الإرسال، كما يجب عند الذبح.

وقوله: (فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ) قال النوويّ - رحمه الله -: هذا تصريح بأنه إذا أدرك ذكاته وجب ذبحه، ولم يحلّ إلا بالذكاة، وهو مُجْمَع عليه، وما نُقِل عن الحسن، والنخعيّ خلافه فباطل، لا أظنه يصح عنهما، وأما إذا أدركه، ولم تبق فيه حياة مستقرّة، بأن كان قد قطع حلقومه، ومَريّه، أو أجافه، أو خرق أمعاءه، أو أخرج حِشْوته، فيحلّ من غير ذكاة بالإجماع، قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب إمرار السكين على حلقه؛ ليريحه. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ: قوله: "فإن أدركته حيًّا فاذبحه": هذا يدلُّ على أن المقدور عليه لا تكون ذكاته العقر، بل الذبح، أو النحر، وعلى هذا فيجب على الصائد إذا أرسل الجوارح أن يجتهد في الجري مُهيِّئًا لآلة الذبح؛ فإنَّه إن فرَّط في شيء من ذلك حتى هلك الصيد بين يدي الجوارح لم يَجُز أكله؛ لأنَّه لمّا أمسكته الجوارح صار مقدورًا عليه، والصائد لو لم يُفرِّط كان متمكنًا من ذبحه، فإن أدركه الصائد منفوذ المَقاتِل فحُكمه حُكْم المقتول؛ لأنَّه ميؤوس من بقائه، إلا أن مالكًا استحب ذكاته مراعاة للخلاف، هذا هو مشهور قوله. انتهى (٣).

وقوله: (فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ) قال النوويّ - رحمه الله -: فيه بيان قاعدة مهمّة، وهي إنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحلّ؛ لأن الأصل تحريمه، وهذا لا خلاف فيه، وفيه تنبيه على أنه لو وجده حيًّا، وفيه حياة مستقرّة، فذكّاه حَلّ، ولا يضر كونه اشترك في إمساكه كلبه وكلب غيره؛ لأن الاعتماد حينئذ في الإباحة على تذكية الآدميّ، لا على إمساك الكلب، وإنما تقع الإباحة بإمساك الكلب إذا قَتَله، وحينئذ إذا كان معه كلب آخر لم


(١) "المفهم" ٥/ ٢٠٦.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ٧٨.
(٣) "المفهم" ٥/ ٢٠٨.