مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} الآية [الأنعام: ١٤٥]، وتلا هذه ابن عبّاس، وقال: ما خلا هذا، فهو حلالٌ. وسُئلت عائشة - رضي الله عنها - عن الفأرة؟ فقالت: ما هي بحرام، وتلت هذه الآية. ولم يرَ أبو وائل بأكل الحمر بأسًا. وقد رُوي عن غالب بن أبجر، قال: أصابتنا سَنَة، فلم يكن في مالي شيء، أطعم أهلي، إلا شيء من حُمر، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرّم لحوم الحمر الأهلية، فأتيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، أصابتنا السنة، ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي، إلا سِمَان الحمر، وإنك حَرّمت لحوم الحمر الأهلية، فقال:"أطعم أهلك من سمين حُمُرك، فإنما حرّمتها من أجل جَوَّال القرية".
واحتجّ الأولون بالحديث المذكور في الباب، وهو متّفقٌ عليه. قال ابن عبد البرّ: ورَوَى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحريم الحمُر الأهليّة: عليّ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وجابر، والبراء، وعبد الله بن أبي أوفى، وأنس، وزاهر الأسلميّ بأسانيد صحاح حسان، وحديث غالب بن أبجر لا يُعرَّج على مثله، مع ما عارضه، ويحتمل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخصّ لهم في مَجاعتهم، وبيّن علّة تحريمها المطلق؛ لكونها تأكل العذرات، قال عبد الله بن أبي أوفى: حرّمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البتّة من أجل أنها تأكل العذرة. متّفقٌ عليه. انتهى كلام ابن قُدامة - رحمه الله - (١).
وقال في "الفتح" عند شرح قوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} ما نصّه: في رواية ابن مردويه، وصححه الحاكم من طريق محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء، ويتركون أشياء تقذُّرًا، فبعث الله نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل كتابه، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه، فما أحل فيه فهو حلال، وما حرّم فيه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عَفْوٌ، وتلا هذه:{قُلْ لَا أَجِدُ} إلى آخرها.
والاستدلال بهذا للحلّ إنما يتمّ فيما لم يأت فيه نصّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -