للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بتحريمه، وقد تواردت الأخبار بذلك، والتنصيص على التحريم مقدَّم على عموم التحليل، وعلى القياس.

وقد ثبت عن ابن عباس أنه توقّف في النهي عن الحمر: هل كان لمعنى خاصّ، أو للتأبيد؟ فعن الشعبيّ عنه أنه قال: لا أدري أنهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل أنه كان حَمُولة الناس، فكَرِه أن تذهب حمولتهم، أو حرّمها البتة يوم خيبر؟ وهذا التردد أصحّ من الخبر الذي جاء عنه بالجزم بالعلة المذكورة.

وكذا فيما أخرجه الطبرانيّ، وابن ماجه من طريق شقيق بن سلمة، عن ابن عباس قال: إنما حَرَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحمر الأهلية مخافةَ قلة الظهر، وسنده ضعيف.

وفي حديث ابن أبي أوفى - رضي الله عنه -: فتحدّثنا أنه إنما نهى عنها؛ لأنها لم تُخْمَس، وقال بعضهم: نَهَى عنها؛ لأنها كانت تأكل العَذِرة.

وقد أزال هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس، أو كانت جلّالةً، أو كانت انتُهِبَت حديثُ أنس - رضي الله عنه - الآتي عند مسلم بعد أربعة عشر حديثًا، حيث جاء فيه: "فإنها رجس"، وكذا الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - الآتي.

قال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "فإنها رجس" ظاهر في عَوْد الضمير على الحمر؛ لأنها المتحدَّث عنها المأمور بإكفائها من القدور وغسلها، وهذا حكم المتنجس، فيستفاد منه تحريم أكلها، وهو دالّ على تحريمها لعينها، لا لمعنى خارج.

وقال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: الأمر بإكفاء القدور ظاهرٌ أنه سبب تحريم لحم الحمر، وقد وردت علل أخرى إن صح رفع شيء منها وجب المصير إليه، لكن لا مانع أن يعلَّل الحكم بأكثر من علة، وحديث أبي ثعلبة صريح في التحريم، فلا مَعْدِل عنه.

وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاويّ بالمعارضة بالخيل، فإن في حديث جابر النهي عن الحمر، والإذن في الخيل مقرونًا، فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع لقلّتها عندهم، وعزّتها، وشدة حاجتهم إليها.