معاوية، عن هشام:"انتحرنا"، وكذا أخرجه مسلم، من رواية أبي معاوية، وأبي أسامة، ولم يسق لفظه، وساقه أبو عوانة عنهما، بلفظ:"نحرنا".
وهذا الاختلاف كله، عن هشام، وفيه إشعار بأنه كان تارة يرويه بلفظ "ذبحنا"، وتارة بلفظ "نحرنا"، وهو مصير منه إلى استواء اللفظين في المعنى، وأن النحر يُطلق عليه ذَبْح، والذبح يُطلق عليه نَحْر، ولا يتعيّن مع هذا الاختلاف، ما هو الحقيقة في ذلك من المجاز، إلا إن رجح أحد الطريقين، وأما أنه يستفاد من هذا الاختلاف، جواز نحر المذبوح، وذبح المنحور، كما قاله بعض الشراح فبعيد؛ لأنه يستلزم أن يكون الأمر في ذلك، وقع مرتين، والأصل عدم التعدد، مع اتحاد المخرج، وقد جرى النوويّ على عادته، في الحمل على التعدد، فقال بعد أن ذكر اختلاف الرواة، في قولها:"نحرنا"، و"ذبحنا": يُجمع بين الروايتين بأنهما قضيتان، فمرة نحروها، ومرة ذبحوها، ثم قال: ويجوز أن تكون قصة واحدة، وأحد اللفظين مجاز، والأول أصح، كذا قال، والله أعلم. انتهى ما في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي في قوله: "وأما أنه يستفاد من هذا الاختلاف. . . إلخ" نظر؛ بل الظاهر استفادته منه، وهو الذي يظهر من صنيع البخاريّ، حيث ترجم، بقوله:"باب النحر، والذبح"، ثم أورده مستدلًّا على جوازهما، وأصرح منه صنيع النسائيّ، حيث قال:"باب الرخصة في نحر ما يُذبح، وذبح ما يُنحر"، ووَجْه ذلك أن هشامًا أطلق النحر والذبح في هذا الحديث، فدلّ على أن ما أُطلق عليه النحر، كالبَدَنة يجوز ذبحه؛ وما أُطلق عليه الذبح، كالبقر يجوز نحره؛ لأن ذلك الإطلاق ليس إلا على غالب الاستعمال، فلا يستلزم ذلك عدم جواز غيره، والله تعالى أعلم.
[تنبيه آخر]: "النحر" - بفتح، فسكون -: مصدر نَحَر البعيرَ ينحره، من باب فتح: إذا أصاب نحره، وهو أعلى الصدر، ونحره أيضًا: إذا طعنه في مَنْحَره، حيث يبدو الْحُلْقوم من أعلى الصدر.
و"الذبح" - بفتح، فسكون -: مصدر ذبح الشاةَ يذبحها، من باب فتح: