للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلَّا الله من المكلَّف، وعن ابن عباس: هي الفرائض التي أُمروا بها، ونُهُوا عنها، وقيل: هي الطاعة، وقيل: التكاليف، وقيل: العهد الذي أَخَذه الله على العباد، وهذا الاختلاف وقع في تفسير الأمانة المذكورة في الآية: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} الآية [الأحزاب: ٧٢]، وقال صاحب "التحرير": الأمانة المذكورة في الحديث، هي الأمانة المذكورة في الآية، وهي عين الإيمان، فإذا استمكنت في القلب، قام بأداء ما أُمر به، واجتَنَب ما نُهِي عنه. انتهى (١).

(نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ) الجِذْر - بفتح الجيم، وكسرها، لغتان، وبالذال المعجمة فيهما -، وهو الأصل. قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: مذهب الأصمعيّ في هذا الحرف فتح الجيم، وأبو عمرو يكسرها.

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معنى إنزال الأمانة في القلوب أن الله تعالى جَبَلَ القلوبَ الكاملة على القيام بحقّ الأمانة من حفظها، واحترامها، وأدائها لمستحقّها، وعلى النَّفْرة من الخِيَانة فيها؛ لتنتظم المصالح بذلك، لا لأنَّها حسنةٌ في ذاتها كما يقوله المعتزلة، على ما يُعرف في موضعه.

(ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآن، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ) ولفظ البخاريّ من طريق الثوريّ، عن الأعمش: "ثم علموا من القرآن، ثم عَلِموا من السنّة"، قال في "الفتح": كذا في هذه الرواية بإعادة "ثُمّ"، وفيه إشارة إلى أنهم كانوا يتعلمون القرآن قبل أن يتعلموا السُّنَن، والمراد بالسنن ما يَتَلَقَّونه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واجبًا كان، أو مندوبًا. انتهى (٢).

(ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ) هذا هو الحديث الثاني الذي ذَكَرَ حذيفة - رضي الله عنه - أنه ينتظره، وهو رفع الأمانة أصلًا، حتى لا يبقى مَن يوصف بالأمانة إلَّا النادر.

ولا يَعْكِرُ (٣) على هذا ما ذكره في آخر الحديث، مما يدُلّ على قلة مَن


(١) "الفتح" ١٣/ ٤٣ - ٤٤.
(٢) "الفتح" ١٣/ ٤٣ "كتاب الفتن" رقم (٧٠٨٦).
(٣) من بابي ضرب، ونصر: أي لا يردّ عليه.