للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا من الاستدلال بالمتقدّم على المتأخّر، وهو في غير الإضافة كثيرٌ، كقوله تعالى: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} الآية [الأحزاب: ٣٥]، والأصل: والحافظات فروجهن، والذاكرات الله كثيرًا.

الوجه الثاني: أن تكون الإضافة غير مقصودة، وترك تنوين "ثمان" لمشابهته جواري لفظًا ومعنى، أما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فلأن ثمانيًا، وإن لم يكن له واحد من لفظه، فإن مدلوله جمعٌ، وقد اعتُبر مجرّد الشبه اللفظيّ في سراويل، فأُجري مُجرى سرابيل، فلا يُستبعد إجراء ثمان مُجرى جوارٍ، ومن إجرائه مُجراه قول الشاعر:

يَحْدُو ثَمَانِيَ مُولَعًا بِلِقَاحِهَا … حَتَّى هَمَمْنَ بِزَيْغَةِ الإِرْتَاجِ

الوجه الثالث: أن يكون في اللفظ ثمانيًا بالنصب والتنوين، إلا أنه كُتب على لغة ربيعة، فإنهم يقفون على المنوّن المنصوب بالسكون، فلا يحتاج الكاتب على لغتهم إلى ألف؛ لأن من أثبتها في الكتابة لم يُراع إلا جانب الوقف، فإذا كان يحذفها في الوقف كما يحذفها في الوصل لزمه أن يحذفها خطًّا. انتهى كلام ابن مالك - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: إنما ذكرت كلام ابن مالك - رحمه الله - هذا هنا لأهميّته؛ إذ فيه فائدة نحويّة عزيزة، وإلا فالحديث بلفظ "ثمان" لم يثبت، وإنما هو بلفظ "ستّ"، أو "سبع"، قال الحافظ - رحمه الله - بعد ذكر كلام ابن مالك المذكور بالاختصار ما نصّه: ولم أره في شيء من طرق الحديث، لا في البخاريّ، ولا في غيره، بلفظ "ثمان"، فما أدري كيف وقع هذا؟. انتهى، والله تعالى أعلم.

(نَأْكُلُ الْجَرَادَ) وفي رواية البخاريّ: "فكنّا نأكل معه الجراد"، فقال في "الفتح": يَحْتَمِل أن يريد بالمعيّة مجرد الغزو، دون ما تَبِعه من أكْل الجراد. ويَحْتَمِل أن يريد: مع أكله، ويدلّ على الثاني، أنه وقع في رواية أبي نعيم في "الطب": "ويأكل معنا".

قال الحافظ - رحمه الله -: وهذا إن صحّ، يردّ على الصيمري، من الشافعية، في


(١) "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" ص ٤٧ - ٤٩.