للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ أَخَذَ) الظاهر أن الضمير للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أن يكون لِحُذيفة - رضي الله عنه - (حَصًى) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هكذا ضبطناه، وهو ظاهر، ووقع في أكثر الأصول: "ثم أَخَذَ حصاةً، فدحرجه"، بإفراد لفظ "الحصاة"، وهو صحيح أيضًا، ويكون معناه: دَحْرَجَ ذلك المأخوذَ، أو الشيءَ، وهو الحصاة. انتهى (١).

و"الحَصَى" - بفتحتين -: صغار الحجارة، والواحدة حَصَاةٌ، وجمعه: حَصَيات، وحِصيّ بضم الحاء، وكسرها، مع كسر الصاد، قاله المجد - رَحِمَهُ اللهُ - (٢).

(فَدَحْرَجَهُ) أي: قلبه (عَلَى رِجْلِهِ) قال صاحب "التحرير": معنى الحديث: أن الأمانة تزول عن القلوب شيئًا فشيئًا، فإذا زال أوَّل جزء منها زال نورها، وخَلَفته ظلمة، كالوكت، وهو اعتراضُ لون مخالفٍ للّون الذي قبله، فإذا زال شيء آخر، صار كالمَجْل، وهو أَثَرٌ مُحْكَمٌ، لا يكاد يزول إلَّا بعد مدّة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها، ثم شَبَّهَ زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب، وخروجه بعد استقراره فيه، واعتقاب الظلمة إياه بجمر يدحرجه على رجله، حتى يُؤَثِّر فيها، ثم يزول الجمر، ويبقى التنفيط، وأَخْذُه الحصاةَ، ودَحْرَجته إياها أراد بها زيادة البيان، وإيضاح المذكور، والله تعالى أعلم (٣).

وقيل: المراد أن الأمانة تُرفع عن القلوب عقُوبةً لأصحابها على ما اجترحوا من الذنوب، حتى إذا استيقظوا من منامهم لَمْ يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه، ويبقى فيه أثرٌ تارةً مثلَ الوكت، وتارة مثلَ الْمَجْل، وهو انتفاط اليد من العمل، و"المَجْلُ" وإن كان مصدرًا إلَّا أن المراد به هنا نفس النفطة، وأراد به خلوّ القلب عن الأمانة مع بقاء أثرها (٤).

وقال ابن العربيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: المراد بالأمانة في حديث حُذيفة - رضي الله عنه -: الإيمان، وتحقيقُ ذلك فيما ذَكَرَ من رفعها أن الأعمال السيئة لا تزال تُضْعِف الإيمان، حتى إذا تناهى الضعف، لَمْ يبقَ إلَّا أثر الإيمان، وهو التلفظ باللسان،


(١) "شرح مسلم" للنوويّ ٢/ ١٦٩.
(٢) راجع: "القاموس" وهامشه ص ١١٤٧.
(٣) راجع: "شرح النوويّ" ٢/ ١٦٩.
(٤) راجع: "المرقاة" ٩/ ٢٥٥.