للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والاعتقاد الضعيف في ظاهر القلب، فشبّهه بالأثر في ظاهر البدن، وكَنَى عن ضعف الإيمان بالنوم، وضَرَبَ مثلًا لزُهُوق الإيمان عن القلب حالًا بزهوق الحجر عن الرِّجْل حتى يقع بالأرض. انتهى (١).

وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "ثمّ " في قوله: "ثمّ ينام النومة" للتراخي في الرتبة، وهي نقيض (٢) "ثمّ" في قوله: "ثمّ عَلِمُوا من القرآن، ثمَّ عَلِموا من السنّة"، كما أن علم القرآن والسنّة يزيد أصل الأمانة في القلوب، ويُربّيها، كذلك ينقص استمرار رفع الأمانة وقبضها من أثرها، فإن أثر المجل المشبَّهَ بالنفاطة التي ليس فيها شيء أبلغ في الخلوّ من أَثَر الوَكت، وفيه تشبيهان مفردان، شُبّهت حالهما مجموعةً بحالة جمرٍ أَثّرَ في عُضْوٍ، ثم نَفِطَ، وارتفع، وإنما شبّه أوّلًا أثر الأمانة بأثر الوَكْت، ثم ثانيًا بأثر المَجْل، ثمّ شبّههما بالجمرة المُدَحْرجة على الرِجْل تقبيحًا لحالهما، وتهجينًا؛ لتستنفر عنها النفس وتعافها، فإن الأمانةَ والخيانة ضدّان، فإذا ارتفعت إحداهما عاقبتها الأخرى. انتهى (٣).

(فَيُصْبحُ النَّاسُ) أي: يدخلون في الصباح، أو المراد يصيرون (يَتَبَايَعُونَ) أي: يجري بينهم التبايع، ويقع عندهم التعاهد (لَا يَكَادُ) أي: لا يقرب (أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ) أي: بل يظهر من كلّ أحد منهم الخيانة في المبايعة، والمواعدة، والمعاهدة، ومن المعلوم أن حفظ الأمانة أثرُ كمال الإيمان، فإذا نقصت الأمانة نقص الإيمان، وبطل الإيقان، وزال الإحسان، وقد أخرج الإمام أحمد في "مسنده"، وصححه ابن حبّان عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ما خطبنا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دِينَ لمن لا عهد له" (٤).

(حَتَّى يُقَالَ) أي: من غاية قلّة الأمانة في الناس (إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا


(١) راجع: "الفتح" ١٣/ ٤٣ - ٤٤.
(٢) وقع في النسخة: "وهي تقتضيه"، والظاهر أنه تصحيف، كما لا يخفي، والله تعالى أعلم.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٤٠٤ ببعض تغيير.
(٤) أخرجه أحمد في "مسنده" برقم (١١٩٣٥ و ١٢١٠٨ و ١٢٧٢٢ و ١٣١٤٥)، وصححه ابن حبّان، وأورده الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" ٢/ ١٢٠٥ رقم (٧١٧٩).