للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(مِثْقَالُ حَبَّةٍ) أي: مقدار شيء قليل (مِنْ خَرْدَلٍ) "من" بيانيّة لـ "حبّة"، أي: هي خردلٌ، وهو: حَبُّ شجر معروف، قاله المجد - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وقوله: (مِنْ إِيمَانٍ") متعلِّق بحال من "مثقال"؛ لتخصّصه بالإضافة، وتقدّم النفي عليه، كما قال في "الخلاصة":

وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِبًا ذُو الحَالِ إِنْ … لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ

مِنْ بَعْدِ نَفْى أَوْ مُضَاهِيهِ كَلَا … يَبْغِ امْرُؤ عَلَى امْرِئٍ مُسْتَسْهِلَا

أي: حال كونه كائنًا من إيمان، قال القاري - رَحِمَهُ اللهُ -: يحتمل أن يكون المراد منه نفي أصل الإيمان، أو كماله. انتهى.

وقال في "الفتح": قوله: "من إيمان" قد يُفهم منه أن المراد بالأمانة في الحديث الإيمان، وليس كذلك، بل ذَكَرَ ذلك لكونها لازمة الإيمان. انتهى (٢).

وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لعلّه إنما حملهم على تفسير الأمانة في قوله: "إن الأمانة نزلت … إلخ" بالإيمان؛ لقوله آخرًا: "وما في قلبه حبّة خردل من إيمان"، فهلّا حملوها على حقيقتها؛ لقوله: "ويُصبح الناس يتبايعون، ولا يكاد أحدٌ يؤدّي الأمانة"، فيكون وضع الإيمان آخرًا موضعها؛ تفخيمًا لشأنها، وحثًّا على أدائها، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا دين لمن لا أمانة له" (٣). انتهى (٤).

قال القاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد نقله كلام الطيبيّ: إنما حملهم عليه ما ذُكر آخرًا، وما صُدّر أَوّلًا من قوله: "نَزَلت في جِذْر قلوب الرجال"، فإن نزول الأمانة بمعنى الإيمان هو المناسب لأصل قلوب المؤمنين، ثم يعلمون إيقانه بتتبّع الكتاب والسنّة، وأما الأمانة فهي جزئيّة من كلّيّة ما يَتعلّق بالإيمان والقرآن، والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أنه لا اختلاف بين من


(١) "القاموس المحيط" ض ٨٩٣.
(٢) "الفتح" ١١/ ٣٤٢ "كتاب الرقاق" رقم الحديث (٦٤٩٧).
(٣) تقدّم أنه حديث صحيح بلفظ: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(٤) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٤٠٣ - ٣٤٠٤.