للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حمل الأمانة عل ظاهر معناها التي هي العهود، وبين مَن حملها على الإيمان؛ لأن الإيمان الحقيقيّ مستلزم للأمانة التي هي العهود، وكذلك الأمانة مستلزمة له؛ لأن العهود شامل لما بين العباد وبين ربّهم، ولما يجري بينهم، والحديث - وإن كان ظاهرًا في معنى الأمانة التي هي العهد، فإن حُذيفة - رضي الله عنه - إنما ساقه لبيان فقد الأمانة من الأمة، ورفعها عنهم، فقوله: "وُيصبح الناس يتبايعون … إلخ"، وقوله: "وما أبالي أيّكم بايعت … إلخ"، وقوله: "في كنت لأبايع إلَّا فلانًا وفلانًا"، كلّ هذا ظاهر في معناها الحقيقيّ - لكنه لا ينفي شموله للعهد الذي بين العباد وبين ربهم، فيكون الخلاف في هذا لفظيًّا.

والحاصل أن الأمانة هي كلّ العهود التي بين العباد وبين ربهم، وفيما بينهم، فدخل فيها الإيمان دخولًا أوّليًّا، ولذلك قال في الأخير: "وما في قلبه مثال حبّة من خردل من إيمان"؛ إشارةً إلى فقدها كلّيّةً، فتنبّه لذلك، والله تعالى أعلم بالصواب.

(وَلَقَدْ أتى عَلَيَّ زَمَانٌ) يشير حُذيفة - رضي الله عنه - بهذا إلى أن حال الأمانة أَخَذَ في النقص من ذلك الزمان، وكانت وفاته - رضي الله عنه - في أول سنة ست وثلاثين، بعد قتل عثمان لمه بقليل، فأدرك بعض الزمن الذي وقع فيه التغير، فأشار إليه، قاله في "الفتح" (١).

(وَمَما) نافية (أُبَالِي) أي لا أهتمّ، قال الفيّومي - رَحِمَهُ اللهُ -: قولهم: لا أباليه، ولا أبالي به: أي لا أهتمّ به، ولا أكترث له، ولم أُبال، ولم أُبَلْ؛ للتخفيف، كما حَذَفوا الياء من المصدر، فقالوا: لا أباليه بَالَةً، والأصل: باليةٌ، مثلُ عافاه مُعافاةً وعافية، قالوا: ولا تُستعمل إلَّا مع الجحد، والأصل فيه قولهم: تَبَالَى القومُ: إذا تبادروا إلى الماء القليل، فاستقَوْا، فمعنى لا أبالي: لا أُبادرُ إهمالًا له، وقال أبو زيد: ما باليتُ به مُبالاةً، والاسم الْبِلاءُ، وزانُ كتاب، وهو الهمّ الذي تُحدّث به نفسك. انتهى (٢).

(أيَّكُمْ) "أيَّ" استفهاميّة مفعول مقدّم وجوبًا لـ (بَايَعْتُ؟) أي: أيَّ شخص بايعت، مسلمًا كان أو غير مسلم.


(١) ١٣/ ٤٤.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٦٢.