للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القاضي: هكذا رويناه بالهاء والكاف من طريق الفارسيّ، والسجزيّ، وكذا ذكره الترمذيّ، ورويناه من طريق العذريّ: "مقروم" بالقاف والميم.

قال القرطبيّ: وهذه الرواية هي الصواب الواضح. ومعناها: أن اللحم في هذا اليوم تتشوَّف النفوس إليه لشهوتها، يقال: قَرِمْتُ إلى اللحم، وقَرِمْتُه: إذا اشتهيته، أَقْرَمُ قَرَمًا. وأما رواية "مكروه" ففيها بُعْد، وقد تكلَّف لها بعضهم ما لا يصحّ روايةً ولا معنى، فقال: صوابه: اللَّحَم - بفتح الحاء - قال: ومعناه: أن يترك أهله بلا لحم حتى يشتهوه. و"اللَّحم" - بالفتح -: شهوة اللحم، فانظر مع هذا التكلُّف القبيح كيف لا يظهر منه معنى صحيح. وقال آخر: معنى: "اللحم فيه مكروه"؛ أي: لمخالفته السُّنَّة، كما قال في الحديث الآخر: "شاتك شاة لحم".

قال القرطبيّ: وهذا من قول من لم يتأمل مساق الحديث، فإنَّ هذا التأويل ليس ملائمًا له، ولا موافقًا لمعناه؛ إذ لا يستقيم أن يقول: إن هذا اليوم اللحم فيه مخالف للسُّنَّة، وإني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي، وهذا فاسد، وأقرب ما يتكلّف لهذه الرواية وأنسبه أن يقال: إن معناه: اللحم فيه مكروه التأخير، فحذف التأخير، وهو يريده، ويشهد لهذا قوله بعده متصلًا به: "وإني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني"، وهذا مناسب لِمَا قدَّرناه من المحذوف، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).

وقال في "الفتح" عند قوله: "إن هذا يوم يُشتَهَى فيه اللحم" ما نصّه: في رواية داود بن أبي هند، عن الشعبيّ عند مسلم: "فقال: يا رسول الله إن هذا يوم اللحم فيه مكروه"، وفي لفظ له: "مقروم"، وهو بسكون القاف، قال عياض: رَوَيناه في مسلم من طريق الفارسيّ، والسجزيّ: "مكروه"، ومن طريق العذري: مقروم، وقد صوّب بعضهم هذه الرواية الثانية. . . إلى آخر ما تقدّم من كلام عياض.

ثم قال: وبالغ ابن العربيّ، فقال: الرواية بسكون الحاء هنا غَلَطٌ، وإنما


(١) "المفهم" ٥/ ٣٥٨ - ٣٥٩.