للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمعنى أنها أطيب لحمًا، وأنفع للآكلين؛ لِسِمَنِها، ونفاستها.

وقد استشكل هذا بما ذُكر أن عِتق نفسين أفضل، مِنْ عتق نفس واحدة، ولو كانت أنفس منهما.

وأجيب بالفرق بين الأضحية والعتق، أن الأضحية يُطلَب فيها كثرة اللحم، فتكون الواحدة السمينة أولى من الهزيلتين، والعتق يطلب فيه التقرب إلى الله بفك الرقبة، فيكون عتق الاثنين أولى من عتق الواحدة، نعم إن عرض للواحد وصف يقتضي رِفعته على غيره، كالعلم، وأنواع الفضل المتعدي، فقد جزم بعض المحققين بأنه أَولى؛ لعموم نفعه للمسلمين. ووقع في رواية أخرى: "وهي خير من مسنة"، وحكى ابن التين عن الداودي أن المسنة التي سقطت أسنانها للبدل، وقال أهل اللغة: المسنّ الثَّنِيُّ الذي يُلقي سنهُ، ويكون في ذات الخف، في السنة السادسة، وفي ذات الظلف والحافر، في السنة الثالثة. وقال ابن فارس: إذا دخل ولد الشاة في الثالثة، فهو ثَنِيٌّ، ومسن. ذكره في "الفتح" (١).

وقوله: (هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ)؛ أي: خير ذبيحتيك حيث تجزي عن الأضحية، بخلاف الأُولى.

وقال النوويّ: معناه: أنك ذبحت صورةً نسيكتين، وهما هذه، والتي ذبحها قبل الصلاة، وهذه أفضل؛ لأن هذه حصلت بها التضحية، والأُولى وقعت شاة لحم، لكن له فيها ثواب، لا بسبب التضحية، فإنها لم تقع أضحية، بل لكونه قَصَد بها الخير، وأخرجها في طاعة الله، فلهذا دخلهما أفعل التفضيل، فقال: هذه خير النسيكتين، فإن هذه الصيغة تتضمن أن في الأُولى خيرًا أيضًا. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "هي خير نسيكتيك" سَمَّى ما ذُبح قبل الصلاة نسيكة بحسب توهُّم الذابح وزعمه، وذلك: أنه إنما ذبحها في ذلك الوقت بنيَّة النسك، وبعد ذلك بيَّن له النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنها ليست نسكًا شرعًا؛ لمّا قال: "من ذبح


(١) "الفتح" ١١/ ١٢٨ - ١٢٩.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ١١٣ - ١١٤.