للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَن اتَّفَقَ من غير بَحْث عن حاله، فلما بدأ التغير في الناس، وظهرت الخيانة، صار لا يبايع إلَّا مَنْ يَعْرِف حاله.

ثم أجاب عن إيرادٍ مُقَدَّر، كأنّ قائلًا قال له: لَمْ تزل الخيانة موجودةً؛ لأن الوقت الذي أشرتَ إليه، كان أهل الكفر فيه موجودين، وهم أهل الخيانة.

فأجاب بأنه وإن كان الأمر كذلك، لكنه كان يَثِقُ بالمؤمن لذاته، وبالكافر لوجود ساعيه، وهو الحاكم الذي يحكم عليه، وكانوا لا يستعملون في كلّ عَمَلٍ قَلَّ أو جَلَّ إلَّا المسلم، فكان واثقًا بإنصافه، وتخليص حقِّه من الكافر إن خانه، بخلاف الوقت الأخير الذي أشار إليه، فإنه صار لا يبايع إلَّا أفرادًا من الناس يَثِقُ بهم.

وقال ابن العربيّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: قال حذيفة - رضي الله عنه - هذا القول لَمّا تغيرت الأحوال التي كان يَعرفها على عهد النبوة والخليفتين، فأشار إلى ذلك بالمبايعة، وكَنَى عن الإيمان بالأمانة، وعَمّا يخالف أحكامه بالخيانة. انتهى، ذكره في "الفتح" (١).

(لَئِنْ) اللام هي اللام الموطّئة للقسم، و"إن" شرطيّة، وجوابها محذوف؛ لتأخّرها، ودلالة جواب القسم عليه، وإلى هذا أشار ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:

وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ … جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ

(كَانَ) الذي أبايعه (مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَى دِينُهُ) إذ الإيمان يدعو إلى أداء الأمانة؛ امتثالًا لقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} الآية [النساء: ٥٨] (وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، أَوْ يَهُودِيًّا، لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ) أي: الوالي عليه؛ لأنهم في ذلك الوقت لا يولّون إلَّا من كان مستقيمًا في دينه، قادرًا على إيصال كلّ ذي حقّ إلى حقّه، وردع أهل الفساد والبغي عن ظلمهم.

وقال في "الفتح": قوله: "ساعيه" أي: واليه الذي أُقيم عليه لِيُنصِف منه، وأكثر ما يُستعمل الساعي في وُلاة الصدقة، وَيحتمل أن يراد به الذي يتولّى قبض الجزية. انتهى (٢).


(١) راجع: ١٣/ ٤٤.
(٢) "الفتح" ١١/ ٣٤٢.