وقال ابن عبد البرّ: لا خلاف بين فقهاء المسلمين في إجازة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وأن النهي عن ذلك منسوخ.
(المذهب الثاني): أن هذا ليس نَسخًا، ولكن كان التحريم لعلّة، فلما زالت زال، فلو عادت لعاد، وبهذا قال ابن حزم، واستدلّ بحديث عليّ المذكور هنا، قال: هذا كان عام حُصِر عثمان - رضي الله عنه -، وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة، ودفّت دافّة. انتهى. وللشافعيّ رَحمه اللهُ نصّ، حكاه البيهقيّ، تردّد فيه بين هذا القول، والذي قبله، قال بعد ذكر حديث عائشة، وجابر - رضي الله عنهما -: يجب على من علِم الأمرين معًا أن يقول: نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عنه لمعنًى، فإذا كان مثله، فهو منهيّ عنه، وإذا لم يكن مثله لم يكن منهيًّا عنه، أو يقول: نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في وقت، ثم أرخص فيه بعده، والآخر من أمْره ناسخٌ للأول. وقال الإسنويّ رحمه اللهُ: الصحيح أن النهي كان مخصوصًا بحالة الضيق، والصحيح أيضًا أنه إذا حَدَثَ ذلك في زماننا أن يعود المنع على خلاف ما رجّحه الرافعيّ، فقد نصّ الشافعيّ على ذلك كلّه، فقال في "الرسالة" في آخر "باب العلل في الحديث" ما نصّه: فإذا دفّت الدّافّة، ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، وإن لم تدفّ دافّة، فالرخصة ثابتةٌ بالأكل، والتزوّد، والادّخار، والصدقة، قال الشافعيّ: ويَحْتَمِل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخًا في كلّ حال. انتهى.
وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه اللهُ: حديث سلمة، وعائشة - رضي الله عنهما - نصّ على أن المنع كان لعلّة، ولمّا ارتفعت ارتفع؛ لارتفاع موجبه، لا لأنه منسوخٌ، فتعيّن الأخذ به، ويعود الحكم لِعَوْد العلّة، فلو قَدِم على أهل بلدة ناسٌ محتاجون في زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدّون بها فاقتهم إلا الضحايا، لتعيّن عليهم أن لا يدّخروها فوق ثلاث.
(المذهب الثالث): كالذي قبله في أن هذا ليس نسخًا، ولكن التحريم لعلّة، فلما زالت زال، ولكن لا يعود الحكم لو عادت، وهذا وجه لبعض الشافعيّة، حكاه الرافعيّ، والنوويّ، وهو بعيد.
(المذهب الرابع): أن النهي الأول لم يكن للتحريم، وإنما كان للكراهة، وهذا ذكره أبو عليّ الطبريّ، صاحب "الإفصاح" على سبيل الاحتمال، كما