للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حكاه الرافعيّ، ونصّ عليه الشافعيّ، كما حكاه البيهقيّ، فقال: وقال الشافعيّ رحمه اللهُ في موضع آخر: يُشبه أنه يكون نهي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، إذا كانت الدّافّة، على معنى الاختيار، لا على معنى الفرض؛ لقوله تعالى في البُدْن: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} الآية [الحج: ٣٦]، وهذه الآية في البُدْن التي يَتطوّع بها أصحابها، قال النوويّ: قال هؤلاء: والكراهة باقية إلى اليوم، ولكن لا يحرُم، قالوا: ولو وقع مثل تلك العلّة اليوم، فدفّت دافّة، واساهم الناس، وحملوا على هذا مذهب عليّ، وابن عمر. انتهى. وإلى هذا ذهب المهلّب، فقال: إنه الذي يصحّ عندي. انتهى.

قال الحافظ وليّ الدين العراقيّ: ويدلّ لهذا قوله في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "وليست بعزيمة، ولكن أراد أن يُطعِم منه"، وقال ابن حزم: لا حجة فيه؛ لأن قوله: "ليست بعزيمة"، ليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ظنّ بعض رواة الخبر، ويبيّن ذلك قوله بعده: "ولكن أراد أن يطعم منه"، والله تعالى أعلم.

(المذهب الخامس): أن هذا النهي للتحريم، وأن حكمه مستمرّ، لم يُنسخ، وحُمل على هذا ما تقدّم عن عليّ - رضي الله عنه -، وما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال وليّ الدين: وحَمْله على أنهما رأيا عَوْد الحكم لِعَوْد العلّة، كما تقدّم في القول الثاني أَولى، وبتقدير أن لا يؤوّل على هذا، فسببه عدم بلوغ الناسخ، فإنه لا يسع أحدًا العمل بالمنسوخ بعد ورود الناسخ، ومن علم حجة على من لم يعلم، ذكر هذه المذاهب الحافظ وليّ الدين العراقيّ رحمه الله تعالى في "شرح التقريب" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أرجح المذاهب هو المذهب الثاني؛ لوضوح دليله، وحاصله أن النهي مستمرّ، وليس منسوخًا، وإنما كان لعلة، فلما زالت زال، فإذا عادت تلك عاد الحكم، وهذا هو الأَولى في المجمع بين الأحاديث من غير دعوى إهمال لبعضها، والله تعالى أعلم.


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٥/ ١٩٧ - ١٩٩.