للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَاكَ؟ ")؛ أي: ما سبب قولكم هذا؟، مع ظهور أنه جائز، (قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا) ببناء الفعل للمفعول، (بَعْدَ ثَلَاثٍ)؛ أي: بعد ثلاث ليال.

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ)؛ أي: لأجل الجماعة التي أتتكم من البادية، أردت أن تتصدّقوا عليهم، وهذا ظاهر فيما قدّمناه من أن المدار هو الحاجة، وليس هذا من باب النَّسخ. قال أبو العبّاس القرطبيّ رَحمه اللهُ: وهذا نصّ منه - صلى الله عليه وسلم - على أن المنع كان لعلّة، ولَمّا ارتفعت ارتفع المنع المتقدّم؛ لارتفاع موجِبه، لا لأنه منسوخٌ، وهذا يُبطل قول من قال: إن ذلك المنع إنما ارتفع بالنَّسخ، لا يقال: فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "كنت نهيتكم عن ادّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فادّخروا"، وهذا رفعٌ لحكم الخطاب الأول بخطاب متأخّر عنه، وهذا هو حقيقة النسخ؛ لأنا نقول: هذا لَعَمْر الله ظاهر هذا الحديث، مع أنه يَحْتَمِل أن يكون ارتفاعه بأمر آخر غير النسخ، فلو لم يرد لنا نصّ بأن المنع من الادخار ارتفع لارتفاع علّته، لَمَا عدَلنا عن ذلك الظاهر، وقلنا: هو نسخٌ، كما قلناه في زيارة القبور، وفي الانتباذ بالحنتم المذكورين معه في حديث بُريدة - رضي الله عنه - الآتي، لكن النصّ الذي في حديث عائشة - رضي الله عنها - في التعليل بيّنَ أن ذلك الرفع ليس للنسخ، بل لعدم العلّة، فتعيّن ترك ذلك الظاهر، والأخذ بذلك الاحتمال لِعَضَد النصّ له، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: الفرق بين رفع الحكم بالنَّسخ، ورفعه لارتفاع علّته أن المرفوع بالنسخ لا يُحكم به أبدًا، والمرفوع لارتفاع علّته يعود الحكم لِعَود العلّة، فلو قَدِمَ على أهل بلدة ناس محتاجون في زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعةٌ، يسدّون بها فاقتهم إلا الضحايا، لتعيّن عليهم أن لا يدّخروها فوق ثلاث، كما هو فِعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١)، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم.

(فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا) - بالدال المهملة المشدّدة - لأن أصلها اذتخروا، من ذَخَرَ بالذال المعجمة، اجتمع مع تاء الافتعال، وقُلبت التاء دالًا، فصار إذدَخِروا، ثم قُلبت الذال دالًا، وأدغمت الدال في الذال، فصار: ادَّخِروا (٢)، كما قال في "الخلاصة":


(١) "المفهم" ٥/ ٣٧٨ - ٣٧٩.
(٢) "عمدة القاري" ٢١/ ١٥٩.