للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "أكسرًا لا أبا لك" استعظامٌ من عمر - رضي الله عنه -؛ لِكَسْر ذلك الباب، وخوفٌ منه ألا ينجبر؛ لأن الكسر لا يكون إلا عن إكراه وغَلَبة، فكأنّ الباب المغلق عن دخول الفتن على الإسلام عمر - رضي الله عنه -، وكسرُهُ قتلُهُ.

واللامُ في "لا أبا لك" مُقحمة، وكذلك في قولهم: "لا يَدَيْ لفلان بهذا الأمر"، ولا تُريد العربُ بهذا الكلام نفيَ الأبوّة حقيقة، وإنما هو كلامٌ جرى على ألسنتهم كالمثل، ولقد أبدع البديعُ حيث قال في هذا المعنى:

وَقَدْ يُوحِشُ اللَّفْظُ وَكُلُّهُ وُدٌّ … وَيُكْرَهُ الشَّيءُ وَمَا مِنْ فِعْلِهِ بُدُّ

هذه العرب تقول: "لا أبا لك" للشيء إذا أهمّ، و"قاتله الله"، ولا يُريدون به الذمّ، و"ويلُ أمه" للأمر إذا تمّ، والإلباب (١) في هذا الباب أن يُنظر إلى القول وقائله، فإن كان وليًّا، فهو الولاء، وإن خَشُنَ، وإن كان عدوًّا فهو البلاء، وإن حَسُن. انتهى (٢).

(فَلَوْ أَنَّهُ) أي: ذلك الباب (فُتِحَ) بالبناء للمفعول (لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ) إنما قال عمر - رضي الله عنه - ذلك اعتمادًا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة، ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة.

قال حذيفة - رضي الله عنه - (قُلْتُ: لَا) أي: لا يُفتح (بَلْ يُكْسَرُ، وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ) هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، كما جاء مُبَيَّنًا في الصحيح (يُقْتَلُ) بالبناء للمفعول (أَوْ يَمُوتُ) قال ابن الْمُنيّر رحمه الله: آثر حذيفة - رضي الله عنه - الحرص على حفظ السرّ، ولم يُصرّح لعمر - رضي الله عنه - بما سأل عنه، وإنما كَنَى عنه كنايةً، وكأنه كان مأذونًا له في مثل ذلك.

وقال النوويّ رحمه الله: يحتمل أن يكون حذيفة - رضي الله عنه - سمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هكذا على الشكّ، والمراد به الإبهام على حذيفة وغيره، ويحتمل أن يكون حذيفة - رضي الله عنه - عَلِمَ أنه يُقْتَل، ولكنه كَرِه أن يخاطب عمر - رضي الله عنه - بالقتل، فإن عمر - رضي الله عنه - كان يَعْلَم أنه هو الباب كما جاء مُبَيَّنًا في "الصحيح" أن عمر كان يَعْلَم مَنِ الباب، كما يعلم أن قبل غد الليلةَ، فأتى حذيفةُ - رضي الله عنه - بكلام يَحْصُل


(١) أي اللزوم والثبات.
(٢) "المفهم" ١/ ٣٦١.