للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حمزة للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من القول الجافي المخالف لِمَا يجب عليه من احترام النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتوقيره وتعزيره، ما يدلُّ على أنَّ حمزة كان قد ذهب عقله بما يُسكر، ولذلك قال الراوي: فعرف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ثَمِلٌ، ثم إن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنكر على حمزة، ولا عَنّفَه، لا في حال سُكره، ولا بعد ذلك، بل رجع لمّا قال حمزة: وهل أنتم إلَّا عبيد لأبي؟ على عقيبيه القهقرَى، وخرج عنه، كما هو في "الصحيحين"، وغيرهما.

وهذا خلاف ما قاله الأصوليون وحكوه، فإنهم قالوا: إن السكر حرام في كلّ شريعة؛ لأنَّ الشرائع مصالح العباد، لا مفاسدهم، وأصل المصالح العقل، كما أن أصل المفاسد ذهابه، فيجب المنع من كلّ ما يُذهبه، أو يشوشه، إلَّا أنه يُحمَل حديث حمزة على أنَّه لَمْ يقصد بشربه السكر، لكنه أسرع فيه فغلبه، قاله أبو عبد الله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله الأصوليّون من أن السكر حرام في كلّ شريعة يحتاج إلى دليل، فإن ظاهر قصّة حمزة - رضي الله عنه - يدلّ على أنَّ السكر كان مباحًا، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): قال أبو عبد الله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - أيضًا: فَهِمَ الجمهور من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها الحكم بنجاستها، وخالفهم في ذلك ربيعة، والليث بن سعد، والمزنيّ صاحب الشافعيّ، وبعض المتأخرين من البغداديين، والقرويين، فرأوا أنَّها طاهرة، وأن المحرَّم إنما هو شربها، وقد استدلّ سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طريق المدينة، قال: ولو كانت نجسة لَمَا فَعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، ولَنَهَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه، كما نَهَى عن التخلي في الطرق.

[والجواب]: أن الصحابة فعلوا ذلك؛ لأنه لَمْ يكن لهم سُرُوب، ولا آبار يريقونها فيها؛ إذ الغالب من أحوالهم أنهم لَمْ يكن لهم كُنُف في بيوتهم، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: إنهم كانوا يتقذرون من اتخاذ الكنف في البيوت، ونَقْلها إلى خارج المدينة فيه كُلفة ومشقة، ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور،


(١) "تفسير القرطبيّ" ٦/ ٢٨٧.