للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"الْخَلُّ" بفتح الخاء المعجمة، وتشديد اللام: قال ابن سِيدَهْ: هو: ما حَمُض من عصير الْعِنَب وغيره، وقال ابن دُريد: هو عربيّ صحيح، وفي الحديث: "نِعْم الإدام الخلّ"، واحدته خَلّة، يُذهب بها إلى الطائفة منه، قاله في "اللسان" (١).

(فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("لَا" أي: لا تتخللوا الخمر، فإنه لا يجوز، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا دليل الشافعيّ والجمهور أنه لا يجوز تخليل الخمر، ولا تطهر بالتخليل، هذا إذا خلّلها بخبز، أو بَصَل، أو خَمِيرة، أو غير ذلك، مما يُلْقَى فيها، فهي باقية على نجاستها، وينجس ما أُلقي فيها، ولا يطهر هذا الخل بعده أبدًا، لا بغسل، ولا بغيره، أما إذا نُقِلت من الشمس إلى الظلّ، أو من الظل إلى الشمس، ففي طهارتها وجهان لأصحابنا: أصحهما تطهر، وهذا الذي ذكرناه من أنَّها لا تطهر إذا خُلِّلت بإلقاء شيء فيها، هو مذهب الشافعيّ، وأحمد، والجمهور، وقال الأوزاعيّ، والليث، وأبو حنيفة: تطهر، وعن مالك ثلاث روايات: أصحها عنه: أن التخليل حرام، فلو خللها عصي، وطَهُرت، والثانية: حرام، ولا تطهُر، والثالثة: حلال، وتطهر، وأجمعوا على أنَّها إذا انقلبت بنفسها خلًّا طهرت، وقد حُكِيَ عن سحنون المالكيّ أنَّها لا تطهر، فإن صحَّ عنه فهو محجوج بإجماع من قبله، والله أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدَّم أن القول بنجاسة الخمر وإن قاله الجمهور فهو محلّ نظر، فتنته، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: نهيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اتخاذ الخمر خلًّا ظاهرٌ في تحريم ذلك، وبه قالت طائفة من أهل العلم، ورُوي عن عمر - رضي الله عنه -، وبه قال الزهريّ، وكرهه مالك، وقال أبو حنيفة: لا بأس بأن يتخذ الخمر خلًّا، وكيف يصحُّ له هذا مع هذا الحديث؟ ومع سببه الذي خرج عليه، وهو: أن أنسًا روى أن أبا طلحة سأل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أيتام ورثوا خمرًا أنجعله خلًّا؟ قال: "لا" (٣)، فهراقه،


(١) "لسان العرب" ١١/ ٢١١.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ١٥٢.
(٣) حديث صحيح، رواه أبو داود في "سننه" (٣/ ٣٢٦) ولفظه: أن أبا طلحة سأل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أيتام وَرِثُوا خمرًا، قال: "أهرقها"، قال: أفلا أجعلها خلًّا؟ قال: "لا"، ورواه أحمد في "مسنده" ٣/ ٢٦٠.