فلو كان هذا جائزًا لكان قد ضيَّع على الأيتام مالهم، ولوجب الضمان على من أراقها عليهم، وهو: أبو طلحة، وكل ذلك لَمْ يلزم، فدلَّ ذلك على فساد ذلك القول.
وهذا الحديث أيضًا يدلّ على أنَّ الخمر لا تُملك بوجه، وهو مذهب الشافعيّ، وقال بعض المالكيّة: إنَّها تُملك، وليس بصحيح؛ إذ لا تُقرُّ تحت يد أحد من المسلمين، ولا يجوز له التصرُّف فيها إلَّا بالإراقة، ولا يُنتفع بها، فأيّ معنى لقول من قال: إنه يملكها؟! غير أنه يُطلق لفظ التمليك بالمجاز المحض، والله أعلم.
[تنبيه]: لو تخلَّلت الخمر بأمرٍ من الله - عَزَّ وَجَلَّ - حلَّت، ولا خلاف في ذلك على ما حكاه القاضي عبد الوهاب، فأمَّا لو خلَّلها آدميّ فقد أَثِمَ؛ لاقتحامه النهي، ثم إنها تحلّ وتطهر، على الرواية الظاهرة عن مالك، وعنه رواية أخرى: أنَّها لا تحل تغليظًا على المقتحم.
قال الجامع: هذا القول هو الصحيح؛ للنهي في هذا الحديث، وهو للتحريم، والتحريم يقتضي الفساد، والله تعالى أعلم.
وقال الشافعيّ: إنها تحلّ وهي على النجاسة، قال القرطبيّ: وهذا ضعيف لوجهين:
أحدهما: بأنه منتقضٌ بما إذا تخلَّلت بنفسها.
والثاني: أن الموجب للتحريم والتنجيس وهو الشدَّة؛ قد زال، فيزول الحكم.
فإن قيل: هَبْكَ أن الشدة قد زالت، لكن بقيت علَّة أخرى للتَّنجيس وهو مخالطة الوعاء النجس فإنَّه تنجَّس بالخمر، فلما استحالت عينها للخَليَّة بقيت ممازجته للوعاء النجس، فتنجست بما خالطها من نجاسة الوعاء.
فالجواب: أن الوعاء حين استحالت الخمر خلًّا طاهرٌ لطهارة ما تعلق به فيه؛ إذ هو الآن جزء من الخل الذي في الوعاء.
فإن قيل: فيلزم على هذا أن يزول حكم النجاسة عن المحل بغير الماء، وليس بأصلكم؟.
فالجواب: إنا وإن لَمْ يكن ذلك أصلنا، فقد خرج عن ذلك الأصل الكلِّيِّ