قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله بعض المالكيّة هو الظاهر؛ لأنَّ النصّ ورد بصيغة النهي، والنهي للتحريم، ما لَمْ يصرفه صارف، ولم يذكروا هنا صارفًا، وأيضًا ما قاله النوويّ يخالف نصّ الشافعيّ - رَحِمَهُ اللهُ - الآتي بالتحريم، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال: واختُلف في خلط نبيذ البسر الذي لَمْ يشتدّ، مع نبيذ التمر الذي لَمْ يشتدّ عند الشرب، هل يمتنع، أو يختص النهي عن الخلط عند الانتباذ؟ فقال الجمهور: لا فرق، وقال الليث: لا بأس بذلك عند الشرب. ونقل ابن التين عن الداوديّ: أن سبب النهي أن النبيذ يكون حُلْوًا، فإذا أُضيف إليه الآخر أسرعت إليه الشدّة، وهذه سورة أخرى، كأنه يخص النهي بما إذا نبذ أحدهما ثم أضيف إليه الآخر، لا ما إذا نُبذا معًا.
واختُلف في الخليطين من الأشربة غير النبيذ، فحكى ابن التين عن بعض الفقهاء أنه كَرِه أن يخلط للمريض شرابين، وردّه بأنهما لا يُسرع إليهما الإسكار اجتماعًا وانفرادًا.
وتُعُقّب باحتمال أن يكون قائل ذلك يرى أن العلة الإسراف كما تقدم، لكن يقيّد كلام هذا في مسألة المريض بما إذا كان المفرد كافيًا في دواء ذلك المرض، وإلا فلا مانع حينئذ من التركيب.
وقال ابن العربي: ثبت تحريم الخمر؛ لِمَا يَحْدُث عنها من السكر، وجواز النبيذ الحلو الذي لا يَحدُث عنه سكر، وثبت النهي عن الانتباذ في الأوعية، ثم نُسخ، وعن الخليطين، فاختلف العلماء، فقال أحمد، وإسحاق، وأكثر الشافعية بالتحريم، ولو لَمْ يُسكر، وقال الكوفيون: بالحِل، قال: واتفق علماؤنا على الكراهة، لكن اختلفوا هل هو للتحريم، أو للتنزيه؟ واختُلِف في علة المنع، فقيل: لأنَّ أحدهما يشدّ الآخر، وقيل: لأنَّ الإسكار يُسرع إليهما، قال: ولا خلاف أن العسل باللبن ليس بخليطين؛ لأنَّ اللبن لا يُنبذ، لكن قال ابن عبد الحكم: لا يجوز خلط شرابَيْ سكر، كالورد والجلاب، وهو ضعيف. قال: واختلفوا في الخليطين لأجل التخليل، ثم قال: ويتحصل لنا أربع صور: أن يكون الخليطان منصوصين، فهو حرام، أو منصوص ومسكوت عنه، فإن كان كلّ منهما لو انفرد أسكر فهو حرام، قياسًا على المنصوص، أو مسكوت