للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عنهما، وكل منهما لو انفرد لَمْ يسكر جاز، قال: وهنا مرتبة رابعة، وهي ما لو خلط شيئين، وأضاف إليهما دواء يمنع الإسكار، فيجوز في المسكوت عنه، ويُكره في المنصوص، وما نقله عن أكثر الشافعية، وُجد نصّ الشافعي بما يوافقه، فقال: ثبت نهيُ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الخليطين، فلا يجوز بحال، وعن مالك قال: أدركت على ذلك أهل العلم ببلدنا.

وقال الخطابي: ذهب إلى تحريم الخليطين، وإن لَمْ يكن الشراب منهما مُسكِرًا جماعة، عملًا بظاهر الحديث، وهو قول مالك، وأحمد، وإسحاق، وظاهر مذهب الشافعي، وقالوا: من شرب الخليطين أثم من جهة واحدة، فإن كان بعد الشدّة أثم من جهتين، وخَصَّ الليث النهي بما إذا نُبذا معًا. انتهى.

وجرى ابن حزم على عادته في الجمود، فخصّ النهي عن الخليطين بخلط واحد من خمسة أشياء، وهي التمر، والرطب، والزهو، والبسر، والزبيب، في أحدها، أو في غيرها، فأما لو خلط واحد من غيرها في واحد من غيرها، لَمْ يمتنع كاللبن والعسل مثلًا، ويَرِدُ عليه ما أخرجه أحمد في "الأشربة" من طريق المختار بن فُلفُل، عن أنس - رضي الله عنه -، قال: "نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُجمع بين شيئين نبيذًا، مما يبغي أحدهما على صاحبه".

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله ابن حزم - رَحِمَهُ اللهُ - هو الظاهر، والحديث الذي ذكره عن أحمد، لا ينافيه؛ لأنه ظاهر في النبيذ، فيُحْمَل على الأشياء المنصوص عليها، وأما خلط نحو اللبن والعسل، فلا يشمله، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبي - رَحِمَهُ اللهُ -: النهي عن الخليطين ظاهر في التحريم، وهو قول جمهور فقهاء الأمصار، وعن مالك: يُكره فقط، وشذَّ من قال: لا بأس به؛ لأنَّ كلًّا منهما يَحِلّ منفردًا فلا يُكره مجتمعًا، قال: وهذه مخالفة للنص، وقياس مع وجود الفارق، فهو فاسد من وجهين، ثم هو منتقض بجواز كلّ واحدة من الأختين منفردة، وتحريمهما مجتمعين، قال: وأعجب من ذلك تأويل من قال منهم: إن النهي إنما هو من باب السَّرَف بجمع إدامين، قال: وهذا تبديل، لا تأويل، ويشهد ببطلانه الأحاديث الصحيحة، قال: وتسمية