الشراب إدامًا قول من ذَهِلَ عن الشرع واللغة والعادة، وتعامي، وكيف ينهى عن الجمع بين إدامين، وقد جُمعا على مائدة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قال: واختلف القائلون بمنع الخلط في تعليل ذلك وعدمه، فالذي يليق بمذهب أهل الظاهر النهي عن الخلط على كلّ شيئين يؤثّر كلّ واحد منهما في الآخر إسراع الشدّة إذا خُلطا، وهذا هو الذي يُفهم من الأحاديث الواردة في هذا الباب، فإنها مصرّحة بالنهي عن الخلط للانتباذ والشرب، وقد أبعد بعض أصحابنا، فمنع الخلط، وإن لَمْ يكن كذلك، حتى منع خلطهما للتخليل، وهذا إنما يليق بمن لَمْ يُعلّل النهي عن الخليطين بعلّة، ويلزم منه أن يجري النهي على خلط العسل واللبن، وشراب الورد والبنفسج، والعسل والخلّ، وغير ذلك، والصواب ما ذهب إليه مالك، والجمهور، وبالله تعالى التوفيق. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدّم لك أن ابن العربي حكى القول بتعميم منع الخلط عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقال: إنه حَمَل النهي عن الخليطين من الأشربة على عمومه، وضعّفه، وهو أحقّ بالتضعيف.
والحاصل أن الخلط الوارد في الأحاديث الصحيحة المذكورة في هذا الباب وغيرها محرّم، وأن شرب الخليطين حرام، وأما ما عدا ذلك من الأصناف فيجوز خلطه؛ كاللبن والعسل، ونحو ذلك؛ لعدم النهي عنه، ولفقدان العلّة التي من أجلها نهى الشارع عن الخليطين، فتأمل بالإمعان، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[تنبيه]: قد اعترض العينيّ على عادته المستمزة في نصر مذهبه بأحاديث ضعيفة في مقابلة الأحاديث الصحيحة المتّفق عليها المخالفة لمذهبه، وذلك لمّا قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إن قول أبي حنيفة: لا بأس بالخليطين؛ لأنَّ ما حلّ مفردًا حلّ مخلوطًا: أكد عليه الجمهور، وقالوا: هذه منابذة لصاحب الشرع، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه. انتهى كلام النوويّ.
فقال العينيّ ردًّا على هذا: هذه جرأة على إمام أجلّ من ذلك، وأبو